البحر يبتلع أحلام لاجئ سوداني ويبعث إلى الأم رسالة وداع مؤثرة

71

متابعات تاق برس- عُثر على رسالة وداع مؤلمة داخل جيب أحد اللاجئين السودانيين الذين لقوا حتفهم بعد غرق مركب كان يقل المئات من المهاجرين غير الشرعيين في البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل الليبية، تكشف عن آخر لحظات الأمل واليأس لشاب كان يحلم بحياة كريمة في أوروبا قبل أن يبتلعه البحر في رحلته الأخيرة نحو الحلم الأوروبي.

 

الرسالة، التي لم يُعرف بعد هوية كاتبها، حملت عبارات تقطر ألماً وتختصر حكاية شاب أدرك أن الموت بات قريباً، فكتب كلماته الأخيرة وهو يودّع الحياة بسلام مؤلم، وبلسانٍ مثقل باليأس والحنين لأمه ووطنه وأحلامه الصغيرة التي لم تتحقق.

 

وصف الصحفيون الذين شهدوا انتشال الجثامين المشهد بأنه من أكثر المواقف الإنسانية والقاسية في آنٍ واحد، حيث ابتلع البحر عشرات الأحلام وترك وراءه رسالة كتب فيها الشاب:

 

“هدية إلى العالم المتحضر، هرب من الموت فاحتضنه البحر. أنصحكم بالقراءة لكن لا تبكوا، لأن الدموع جفت على أهلي وإخوتي من الظلم الذي أصبح يغذي حياتهم كل يوم.”

 

 

 

وجّه الشاب كلماته الأخيرة إلى أمه التي انتظرته على أمل سماع صوته من بعيد فقال:

 

“أنا آسف يا أمي لأن السفينة غرقت بنا ولم أستطع الوصول إلى هناك، كما لن أتمكن من إرسال المبالغ التي استدنتِها كي أدفع أجر الرحلة. لا تحزني يا أمي إن لم يجدوا جثتي، فماذا ستفيدك الآن إلا تكاليف نقل وشحن ودفن وعزاء. أنا آسف يا أمي، وكان لا بد لي أن أسافر كغيري من البشر.”

 

 

 

واصل الشاب في رسالته بين موجات الموت قائلاً:

 

“أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين، كانت بحجم علبة دواء للقولون لكِ، وثمن تصليح أسنانك. أنا آسف يا حبيبتي لأنني بنيت لكِ بيتاً من الوهم، منزلاً جميلاً كما في الأفلام. أنا آسف يا أخي لأنني لن أرسل لك الخمسين يورو التي وعدتك بها شهرياً، ولن أرسل لأختي الهاتف الحديث الذي يحوي الواي فاي مثل صديقتها الميسورة.”

 

 

حملت الرسالة وداعاً مؤلماً لكل تفاصيل الحياة التي تركها الشاب وراءه، حيث كتب:

“أنا آسف يا منزلي الجميل لأنني لن أعلّق معطفي خلف الباب. أنا آسف أيها الغواصون والباحثون عن المفقودين، فأنا لا أعرف اسم البحر الذي غرقت فيه. اطمئني يا دائرة اللجوء، فلن أكون عبئاً عليك.”

 

 

 

وفي ختام رسالته المؤثرة كتب الشاب كلمات تشي بالاستسلام الكامل للقدر:

 

“شكراً لك أيها البحر الذي استقبلتنا دون فيزا ولا جواز سفر، شكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني أو انتمائي السياسي، شكراً لقنوات الأخبار التي ستتناقل خبر موتنا لمدة خمس دقائق كل ساعة ليومين. شكراً لكم لأنكم ستحزنون علينا قليلاً عند سماع الخبر. أنا لست آسف لأني غرقت، فقد ارتحت وريحّت.”

 

 

 

تختصر هذه الرسالة حكاية آلاف الشباب السودانيين والأفارقة الذين دفعتهم الحروب والأزمات والفقر للهرب من أوطانهم بحثاً عن حياة كريمة، فواجهوا مصيرهم في عمق البحر، بين حلم لم يتحقق ووطن لم يحتضنهم. حادثة غرق المركب هذه ليست الأولى من نوعها، لكنها تكشف بوضوح حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها الشباب السوداني في ظل انعدام الأمل وضياع الفرص، حيث تحول البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة مفتوحة لأحلام الهاربين من البؤس إلى المجهول.

 

رحل الشاب إلى مثواه الأخير، لكن كلماته التي وجدت في جيبه بقيت شاهدة على واقع موجع، ورسالة تذكير للعالم بأن خلف كل مهاجر قصة، وخلف كل غريق حلم لم يكتمل.

whatsapp