الناشط أحمد التواتي في حوار لـ(تاق برس) يكشف خبايا الإقتتال في ليبيا والأوضاع السياسية والإقتصادية

648

   أجرى الحوار لـ(تاق برس) مُراد  بن  جُمعة (صحفي تونسي)

حرب ليبيا لن تتوقف إلا بضغط دولي من مجلس الأمن وفرض عقوبات على داعميها الاقليمين والدوليين

لا ارى أي نتيجة ايجابية قد تتحقق على صعيد المسار السياسي بدون انتخابات جديدة وازاحة كافة الاطراف الحالية.

 مقدمة

تعيش ليبيا في الآونة الاخيرة على وقع عديد التغييرات التي تترجم في أحيان كثيرة إلى أزمات تصل حد الاقتتال والتناحر، وبعد سنوات من الاحداث التي عايشتها البلاد في موجة الثورات التي حملها الربيع العربي ما يزال الوضع يتسم بالضبابية خاصة مع تعدد الجهات التي تحاول السيطرة على منافذ الحكم فيها.

وللحديث عمّا يحصل في ليبيا ومحاولة رسم ملامح واضحة للمشهد الضبابي التقى (تاق برس) بالناشط الليبي أحمد التواتي الذي فصّل وجهات المعارك في ليبيا وشرّحها في محاولة لفهم الوضع، وفيما يلي نصّ الحوار كاملا:

ما هو، برأيكم، مآل الجهد الأممي بعد هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على ضواحي طرابلس الجنوبية، بعد الرابع من أبريل الماضي ؟

 البعثة الاممية لا تمتلك الكثير لفعله ولا شك ان حرب طرابلس اربكت كل مساعيها للوصول الى حل سياسي ينهي حالة الصراع على السلطة بين كافة الاطراف حيث كانت قاب قوسين او ادنى من عقد الملتقى الوطني الجامع ، فالبعثة لا يمكن ان تنفذ ايا من رؤاها في معزل عن الدول التي تمتلك القرار في مجلس الامن ،واختلاف المصالح الخارجية زاد من صعوبة الوصول لحل يرضي جميع الاطراف في غياب الارادة السياسية والشعبية الليبية .

وماذا عن مسار العملية السياسية، اليوم، في الساحة الليبية؟

المسار متعثر ولكن هناك ضوء بدأ يشع في نهاية النفق الا وهو قمة برلين المقرر عقدها في شهر اكتوبر الحالي حيث ان الترتيبات السابقة له تقول ان هناك شبه قناعة لدى الاطراف الدولية والاقليمية المتدخلة في ليبيا ان الحل العسكري وحسم الصراع بالقوة لصالح احد الاطراف بات مستحيل ، وعليه يرى الجميع الان بضرورة العودة الى طاولة المفاوضات ، فنتمنى ان تكون قمة برلين ناجحة في ان توقف الحرب وتحقق حد ادنى من التوافقات للوصول الى حل .

وفي كل الاحوال لا ارى اي نتيجة ايجابية قد تتحقق على صعيد المسار السياسي بدون الذهاب الى انتخابات جديدة وازاحة كافة الاطراف الحالية التي عقدت المشهد وارتبطت مصالحها مع بعض فيما يخص نهب المال العام ويختلفون فقط على من يحكم ، انتخابات لمرحلة انتقالية اخرى او استفتاء على الدستور وانتخابات بموجبه هذا ما يجب الوصول له والاتفاق عليه بالتفاوض ولكن كل الحلول يجب ان تشتمل على اعادة انتخاب وجوه جديدة .

غياب تسوية سياسية حتى اللحظة، يجعل من أمد الحرب طويلا..ما السبيل لوقف الحرب الدائرة في ليبيا ؟

بالتاكيد في ظل تعنت كل الاطراف واعتقاد كل طرف انه قادر على الحسم والسقف الوهمي المرتفع الذي يصنعه إعلام كل طرف بان الحسم قريب جدا، وغياب ارادة شعبية حقيقية غير خاضعة لحالة الاستقطاب يمكنها ان تفرض خيار وقف الحرب، يجعل الفرص ضئيلة في انتهاءها، وليس هناك من سبيل لوقفها الا الضغط الدولي على طرفي الحرب وداعميهما الدوليين والاقليميين بفرض عقوبات تلقى طريقها الى التنفيذ ، في غياب هذا الضغط من الصعب توقف الحرب التي ما عادت الاطراف التي تخوضها داخليا تمتلك قرار ايقافها .

تدور اشتباكات يومية في الضواحي الجنوبية للعاصمة طرابلس..لو تضعنا في اخر التطورات الميدانية ؟

الحقيقة كوني مدني وغير قادر على الوصول لبقعة الحرب وفي ظل اعلام موجه يعمل لمصلحة طرفي الحرب يسوق انه يمتلك الارض يصعب الجزم بحقيقة ما يحدث على الارض ، ولكن ما هو أكيد ان رقعة الحرب اصابها الجمود ولا احد يحقق في نتائج يمكن ان نقول انها تمكنه من حسم الحرب لصالحه .

هل يمكن تلخيص الصراع الجاري اليوم بين طرفين رئيسيين : العسكرة و الحكم المدني أو صراع بين الشرعية و الشمولية ؟

ليس بهذه الصورة فالكل تنتابه نزعة الشمولية ، ولا يمكن ان يتحقق الحكم المدني في ظل مجموعات مسلحة غير منظمة او وصول اي عسكري للحكم.

فالمسالة اكثر تعقيدا ولكن يمكن القول ان احد اهم اسباب الصراع هو المال والسلطة ، فالمشروع العسكري تجاوز كونه عملية على الارهاب الهدف منها تحقيق الأمن الى الحديث عن الحكم ورؤيته ان الاموال موجودة حصرا في طرابلس وانه احق بها من المجاميع التي يراها ارهابية والمتحكمة في مصرف ليبيا المركزي ، ومجموعات نفعية يتخلل اعمالها بعض مظاهر الجريمة مستفيدة وستقاوم كل محاولة من اي طرف يحاول ان ينتزع منها هذا الامتياز ، وإن كان لا يخلى الامر من اصوات فعلا تقف ضد عسكرة الدولة في رفض للعودة الى سيناريو ما قبل الثورة.

هل نجح المجتمع الدولي في إخراج ليبيا من أزمتها السياسية و الأمنية و العسكرية ؟

قطعا لم ينجح بل تفاقم مستوى الازمات في ظل عجز دولي سببه تضارب المصالح للدول صاحبة القرار في مجلس الامن وعدم الاتفاق على آلية موحدة للحل .

بماذا تفسر استمرار إجهاض المبادرات المتعلقة بوقف الحرب ؟ و هل من استعداد صادق للجلوس على طاولة التفاوض ؟

السبب الرئيس في اجهاض المبادرات المتعلقة بوقف الحرب هو ان الدول الاجنبية المتدخلة في ليبيا تبحث عن حلول تتوافق مع سياساتها وتحقق مصالحها ،وهذه المصالح تختلف من دولة لاخرى فعلى سبيل المثال عندما رأت فرنسا وفق مبادرة باريس ان الذهاب الى الانتخابات في ال2018 قد يحقق مصالحها ويصل للحكم رجلها في ليبيا وقفت ايطاليا وتكلم سفيرها في ليبيا بكل جرأة انه لن يكون هناك انتخابات في ليبيا حاليا والذي تم تغييره بسبب هذه التصريحات المستفزة ، كذلك ذهبت ايطاليا لعقد مؤتمر باليرمو ولكن اجهض من الاطراف الاخرى ، ايضا يمكن القول الطرف المهاجم لم يجعل اي طريق للعودة وأوصل قواعده الشعبية الى مرحلة لا يمكن معها ان يخبرهم بالانسحاب او التوقف دون تحقيق النصر ، ولهذا مالم يوجد ضغط دولي ينجم عنه فرض عقوبات سيمنع الكبر والتعنت الاطراف على ايقاف الحرب .

اما عن الاستعداد الصادق للجلوس والتفاوض، فقد كانت لدى رئيس المجلس الرئاسي نيه واضحة في الوصول الى الحلول السلمية ولكنه يخشى سخط المجموعات التي تقاتل تحته، الذين اصبحت حربهم مع الجيش حرب وجود ، اما الطرف الاخر فلا استعداد صادق له الا برضى وقبول الاطراف الداعمة له وعلى رأسهم فرنسا والامارات .

من برأيكم الرعاة و الشركاء القادرون على بناء عملية سلام في ليبيا اليوم ؟

المجتمع المدني في حال تم دعمه واكتسب القوة الدافعة الشعبية ووعى دوره الحقيقي وآمن بقدراته على صنع التغيير سيكون قادر على ان يخلق السلام ويحقق الديمقراطية في بلد لم يعرف طوال 42 سنة اي معنى للمجتمع المدني ولهذا يجب ان نعترف بحداثة التجربة ، ولهذا كلما استطعنا ان نصنع مجتمع مدني حقيقي كلما كانت فرصنا أكبر في تحقيق السلام وبناء الدولة .

ايضا الدول التي لم تتورط بالصراع بشكل مصلحي ويهمها استقرار ليبيا من منظور أمنها القومي  وهنا ببعض من التفائل قد يكون لمؤتمر برلين المزمع عقدة الفترة القادمة نتائج جيدة قد تمهدالطريق للاستقرار كون المانيا لم تتدخل كما الدول الاخرى في ليبيا ، ونعتقد انه لن تكون كمبادرة باريس وباليرمو وابوظبي كونها اطراف متدخله في الصراع الليبي وهذا احد اهم اسباب فشلهم .

ثمة من يحمل رئيس حزب تحالف القوى الوطنية، محمود جبريل، جر البلد و النخب الى صراع مصطنع و تقسيم التيارات الى اسلامية و اخرى علمانية ..تقييمكم لذلك ؟

في الحقيقة العكس هو الصحيح فالمجتمع الليبي لم يكن يعرف ما معنى العلمانية اساسا في بداية الثورة بل ان البعض لم يسمع عنها اصلا الى ان ظهر الشيخ علي الصلابي المحسوب على التيار الاسلامي على قناة الجزيرة في سيبتمبر 2011 ووصف محمود جبريل وبعض اعضاء مكتبه التنفيذي “الحكومة وقتها” بانهم علمانيين ويسعون لاقصاء الاسلاميين وعليهم التنحي فالشعب الليبي المسلم لا يريدهم ، ومن ذلك اليوم بدأت الثنائية في المجتمع التي أصل لها الاسلامين بأن هناك علمانيين وإسلاميين تمهيدا لما وصلنا اليه بعدها في انتخابات المؤتمر الوطني في 7 يوليو 2012  حيث خرج المفتي الشيخ الصادق الغرياني قبل ايام من الانتخابات ليقول انه يجب التصويت للاسلاميين للدخول للجنة ولا يجب التصويت للعلمانيين حتى لا يلحقكم الاثم ، واستمر هذا الانتحار السياسي الى ان انتهى بفشلهم جميعا ودخلت الدولة في مسارات بعيدة عن الديمقراطية التي تنتجها احزاب منضبطة مهنية تراعي مصلحة الوطن وتتعالى عن تصفية الحسابات الجزبية الشخصية التي توصل الى نتائج صفريه كالذي حدث بين الاسلامين وحزب التحالف لمحمود جبريل .

متى سيتحمل الشعب الليبي اختياراته و يتوجه للاستفتاء على دستور يختار فيه طبيعة النظام السياسي الذي يستجيب لخصوصياته ؟

الحقيقة ان الشعب انعكس عليه الصراع الذي يتطلب استقطاب وتحشيد للأنصار ، فالاستقطاب الحاد للطرفين طال ايضا الشعب وانقسم الى مؤيد ومعارض وبالتالي من الصعب ان يكون الشعب قادر على فرض خياراته في ظل هذا الانقسام ، وايضا في وجود ضعف في صفوف البقية من الشعب الرافض للمعسكرين يصبح الشعب خارج معادلة القرار .

بالاضافة الى وجود تباين على الدستور نفسه وللاسف البرلمان موجود في المنطقة التي يعارض بعض سكانها مواد الدستور ويعتقدو ان الاستفتاء سيكون بأغلبية نعم ولهذا يعطلون كل ما يمكن ان يقود الى الاستفتاء ، والبعثة الاممية تتخوف من ان يقود الاستفتاء الى زيادة الانقسام بدلا من توحيد الاطراف كون ان هناك مجموعات تعبر عن رفضها ومقاطعتها وانه لن يمثلها اذا اقر ، ولكن في المجمل اذا ما حدثت تفاهمات او فتح الباب لتعديل بعض المواد الخلافية والوصول الى حلول مرضيه لكل الاطراف يكون خيار الاستفتاء والذهاب الى انتخابات وفق قاعدة دستورية دائمة هو بداية الطريق الى الاستقرار 

يتشدق البعض بالديمقراطية، و باسمها يستولي على أموال غيره..ماذا عن مصير أموال الليبيين في الخارج ؟

بكل علمنا ان تجميد الاموال له الاثر السيئ على استثماراتنا بالخارج واقتصادنا عموما ، وان الدول التي يوجد فيها هذه الاموال تستفيد منظومتها المصرفية من بقاءها عندهم ، الا ان الشعب الليبي بعد الكم الرهيب من الفساد التي جاءت في مجلدات خطها ديوان المحاسبة ، وقول سلامة ان الاموال الليبية تنهب وليس فقط تُسرق ، اصبح الشعب يرى ان بقاءها مجمدة افضل من ان يفرج عنها ويتم نهبها الى ان يختار الشعب فعلا رئيس واحد يمثله تمثيل حقيقي ويكون السلام والاستقرار قد تحقق والتنمية بدأت حينها يمكن ان يقبل ان يتم رفع التجميد عنها .

برأيكم، كيف يمكن الحد من ظاهرة انتشار السلاح في ليبيا؟

هذا سؤال حتى اعظم دول العالم لم تستطع الاجابة عليه فالسلاح منتشر في أمريكا ورغم كل المحاولات الشعبية المطالبة لتقنين امتلاكه واستعمالة الا انها تفشل ، ولكن يمكن القول ان الخطوة الاولى هو بناء جسور الثقة بين الدولة والمجموعات المسلحة الغير مؤدلجة ثم يتم الاتفاق على ان كل السلاح الثقيل والمتوسط يسلم الى الدولة او تساعد البعثة الاممية في بناء مخازن وتكون تحت اشرافها يجمع فيه هذا السلاح والخطوة التي يليها هو تقنين استعمال السلاح الصغير وترخيصة وتصبح مسألة تجميعه من عدمه على المدى الطويل مرهونة بقياس مستوى الجريمة والذي لا اتوقع ان يكون كبير بالمقارنة مع كمية السلاح الموجود .ولكن عهد قد ياخذ عقود حتى يتحقق من الصعب ان يكون على المدى القريب .

لو توضح لنا أسباب انهيار الوضع الاقتصادي- المعيشي في الشارع الليبي اليوم ..و الى أين تعود مداخيل النفط ؟

اسباب الانهيار هو منظومة الاقتصاد الريعية والتي تعتمد في 98% منها على النفط وتأثر الاقتصاد بإنخفاض اسعار النفط، السبب الثاني عدم الترشيد الحكومي والمبالغة في الانفاق دون ان يتحقق اي مستوى تنمية ، السبب الاخير والاهم هو انقسام مؤسسة المال “مصرف ليبيا المركزي” الى مؤسستين كلا منها تتخذ في سياسات مالية على حدى مما فاقم حالة التدهور الاقتصادي . مداخيل النفط تعود الى مصرف ليبيا المركزي بطرابلس

تحدثت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في وقت سابق عن نزوح حوالي ثلاثة آلاف شخص جراء تصاعد العنف في طرابلس و محيطها..كيف تبدو الاوضاع الانسانية اليوم ؟

لا شك ان اي حرب ينتج عنها أوضاع انسانية سيئة من نزوح وموت جراء القصف المتبادل وجرح لمدنيين جراء تبادل اطلاق النار ، وكل المنظمات الدولية والبعثة الاممية طالبت بوقف الاستهداف للمدنيين ونددت بما يعانونه من ظروف انسانية صعبة ولكن دون استجابة ، وتقصير ملحوظ من قبل الدولة في تخفيف معاناة هولاء الناس .

whatsapp