أحمد دقش… “تغريدة” ترمب و”فنيلة” ميسي!!..

696

حُبست أنفاس السودانيين، وتجمدت أبصارهم في شاشات الحاسب الآلى والهواتف الذكية انتظاراً لـ”تغريدة” الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، للإعلان عن رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
حالة الترقب والانتظار هذه صنعها القادة السياسيون وبعض الإعلام في الخرطوم، وهي لم تُكن معزولة عن الكثير من المناسبات والأحداث التي يُساق فيها الناس نحو تعليق آمالهم وبناء تحقيق أحلامهم العريضة على حدوث “شيء ما” لم يحدث في نهاية المطاف –على الأقل في التجارب السابقة-.
بشرت القوى السياسية الناس بأن ضنك العيش سيتحول إلى حياة رغدة بمجرد سقوط نظام البشير، كما بشرت حكومة ثورة ديسمبر المجيدة بأن الحلول تأتي بانعقاد مؤتمر شركاء السودان الذي رعته ألمانيا والاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي، وفعلت وتفعل نفس الشيء عندما تتحدث عن السلام، وفساد النظام البائد.
إعلان الرئيس الأميركي إنه (يعتزم) رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، خطوة إيجابية مرحبُ بها، لكن المبالغة في الأفراح على المستوى الرسمي، يرفع سقف الآمال والرهان على شيء لا تملكه الحكومة وقادتها، خاصة وأن الخطوة الأمريكية رهينة بإجراءات أخرى لم تكتمل، وليس آخرها إيداع مبلغ 335 مليون دولار كتعويضات لضحايا الإرهاب الأميركيين وعائلاتهم، كما أن الآلية الأفضل للإعلان عن هكذا قرارات هي بيانات البيت الأبيض والخارجية.
تغريدة ترمب تضمنت تأكيد الرجل أن حكومة السودان الجديدة تحرز تقدما كبيرا، وأنها وافقت على دفع المبلغ المتفق عليه، وأنه بمجرد إيداعه سيرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
إحراز التقدم لا يعني بالضرورة بلوغ النهايات السعيدة، كما أنه لا يعزز غلبة نظرية المؤامرة وتنصل رجل البيت الأبيض عن التزام حكومته تجاه السودان في الاتفاق الذي تم بينهما في مفاوضات عام ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة.
مجريات الأحداث السياسية وخاصة الدولية التي ترتبط بالاتفاقات والمعاهدات بين الأطراف المتعددة، تحكمها التقلبات لا الثبات، فما بالك بالبيئة المحيطة بالاتفاق الحالي بين واشنطن والخرطوم!
بعد أيام يصوت الناخب الأمريكي في انتخابات رئاسية مجهولة النتائج يتنافس فيها الرئيس الحالي دونالد ترمب الذي ينتمي للحزب الجمهوري، وجو بايدن المرشح عن الحزب الديمقراطي.
خطورة إعلان ترمب عزمه رفع السودان من قائمة الإرهاب في هذا التوقيت، تكمن في أن منافسيه من الحزب الديمقراطي قد يفسرون ذلك على أنه مجرد محاولة لكسب نقاط في الانتخابات المقبلة ما يجعلهم على الأقل غير متحمسين لها، أو ربما غير داعمين.
مع هذه المعطيات وغيرها ما كان لقادة الحكومة والحاضنة السياسية في الخرطوم، أن يبالغوا في الأفراح بالخطوة التي أعلنها ترمب، ولا أن يواصلوا تبشير البسطاء بفجر خلاص آت بمجرد أن تتم الخطوة الأمريكية.
يعرفون أن الاستقرار الاقتصادي يأتي بالعمل المضني في الإصلاح القانوني والاقتصادي والمؤسساتي في الخرطوم لا واشنطن، وفي الجزيرة لا شرق جبال روكي. يعرفون أيضاً أن رسم الآمال بدون عمل سرعان ما تتبخر أمام واقع صفوف الخبز ومحطات الوقود.
حتى “سونا” الوكالة الرسمية تتعامل مع (التغريدة) على أنها خطوة مكتملة الأركان حيث أقتبس من خبر نشرته النص القادم بين الأقواس: “وجه رئيس الوزراء د عبد الله حمدوك خطابا للشعب السوداني تناول فيه مالات ونتائج القرار الذي اتخذته الادارة الامريكية برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وجدد حمدوك القول بان السودانيين لا يرعون الارهاب ولا يدعون له”.
رئيس الوزراء في كلمته للشعب السوداني قال: “ظللت طيلة العام الماضي في اتصال دائم معكم ابلغكم باننا اقتربنا من هذه اللحظة … لحظة رفع اسم السودان من هذه القائمة …واليوم تحقق ذلك”.
هل تحقق رفع السودان من قائمة العقوبات الأمريكية أم هي خطوة عظيمة وتنتظر أخريات في مقبل الأيام؟
ليس هذا كل الذي قاله دكتور حمدوك، فقد قال أيضا: “هذا القرار يتيح امكانية أفضل وظروف أحسن لإدارة الاقتصاد بآليات وسياسات جديدة ومتكاملة وأكثر فعالية”.
رئيس الوزراء المحترم، أو كاتب خطاباته لا يعرف أو يتجاهل أن ما تم مجرد “تغريدة” وليس قراراً، وهذه واحدة من أسباب الخيبات المتوالية والاحباطات التي تصيب السودانيين، وتباعد بينهم وبين رموزهم وقادتهم السياسيين.
ماذا سيقول رئيس الوزراء للناس إن لم تكتمل خطوة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، ولم يفوز ترمب بالانتخابات المقبلة؟ أم أن سؤالنا هذا غير دقيق ويُمثّل خياراً مستبعد؟
قائمة المبشرين بـ”تغريدة ترمب” لا تقف عند رئيس الوزراء وحده، وإنما شملت رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو، والقيادي بالمجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير إبراهيم الشيخ، وآخرين.
التسابق في الخطب والإعلانات السياسية تُظهر مؤسسات حكومية وسياسية غير متماسكة، وربما متنافسة، إذ كان الأفضل للحكومة ومجلسيها السيادي والوزاري، وحاضنتها السياسية، أن تتعامل مع هكذا موقف بإصدار بيان متوازن باسم الحكومة، وآخر باسم قوى إعلان الحرية والتغيير، لا يفرط في التفاؤل ولا ينغلق في زوايا الحذر والتشكيك، لكنه السودان الذي لم تُنسى فيه بعد حادثة “فنيلة” ميسي ولم يُمحي من ذاكرة الناس الاستشهاد بها مثالاً للاستغباء السياسي، لتطل من بعدها “تغريدة ترمب”!

من صفحة احمد دقش على فيسبوك

whatsapp
أخبار ذات صلة