عبد اللطيف البوني يكتب: مع أهل الدراما

91

حاطب ليل

مع أهل الدراما

كتب: عبد اللطيف البوني

في ذات مرة، كنت أتصفح الاسافير، وتعثرت في منشور رائع كتبه الصديق البروفسور اليسع حسن أحمد، أستاذ الدراما بكلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان، عن الفنان الدرامي الأستاذ محمد عبد الرحيم قرني. كان المنشور يقطر إبداعًا وصدقًا ومحبة، والأهم أنه من متخصص في النقد الدرامي عن ممتهن للدراما.

محمد عبد الرحيم قرني أصبح اسما في حياتنا، كان يطل علينا من المذياع والتلفاز والمسرح في أدوار درامية متنوعة وبإجادة تامة تجعلك تتابعه بتركيز ومحبة. فقد منح الله الفنان محمد عبد الرحيم قرني صوتًا قويًا وجاذبًا، كما صقل موهبته بالدراسة الأكاديمية، وهو ناشر لأوراق علمية في هذا الشأن. ولكن الأهم من كل ذلك أن قرني كان مخلصًا لمهنته ومحترمًا لها وملتزمًا بها، ولم يشتغل بغيرها رغم قلة العائد منها. هذا الالتزام وهذه الاحترافية أدخلته في كل البيوت وكل القلوب.

في ذات اليوم، وفي ذات مهاتفة مع الصديق البروفسور سعد يوسف عبيد، العميد السابق لكلية الموسيقى والدراما، أخبرني بأنه فرغ من إعداد كتاب عن الأستاذ الدرامي مكي سنادة. يا الله، كتاب كامل عن مكي سنادة؟ ومن غيرك يا سعد من ينصف المبدع الضخم مكي سنادة الذي كرس حياته كلها للدراما؟ علما بأنه خريج معهد المعلمين العالي، كلية التربية حاليًا. لقد ظل مكي سنادة يتجول بين مايكروفون الإذاعة وخشبة المسرح وشاشة التلفزيون لعقود من الزمان، ناشرًا للوعي والعلم والمعرفة من خلال الدراما.

لم أسأل البروف سعد أي سؤال عن الكتاب، فقط رجوتُه أن يسرع بنشر هذا الكتاب، لأنني أعلم علم اليقين أنه كتاب ذو قيمة علمية عالية، لأنه بقلم عالم فذ في النقد الدرامي وممارس للدراما عن هرم من أهرامات الدراما في بلادنا. والأمر المتأكد منه أكثر أن كتاب سعد عن مكي مكتوب بمحبة، وهذا يعطي ذلك السفر المنتظر قيمة إضافية.

بعد منتصف ذات النهار، دخلت في لجنة مناقشة عبر (قوقل مييت) لدارسة من جامعة كردفان، وبعد الانتهاء أخبرتني ابنتي أن هناك مهاتفة من الصديق البروفسور عادل حربي، أستاذ الدراما بكلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان. يا الله، ما هذا اليوم غير العادي؟ ما هذا اليوم الذي كله دراما؟ فهرعت إلى التلفون واتصلت بعادل، فوجدته مشغولًا، مع وعد منه أن يرجع لي في أقرب وقت. وقد كنت أنوي أن أبادره بالسؤال: إن شاء الله تكون عملت حاجة عن فائزة عمسيب؟

تذكرت صديقي الراحل البروفسور عثمان جمال الدين، والذي يكمل المربع مع الثلاثي المذكور أعلاه، فهو صاحب أول درجة أستاذية (بروفيسور) في الدراما في السودان. لقد كان إنسانًا محبوبًا ومجودًا لفن الدراما ممارسة وعلما. ويزيد حزني عليه أن صديقنا اليسع في آخر زيارة له لعثمان وهو في سرير المرض طلب منه أن يخطرني بأنه في شوق لي، وأنه يريد رؤيتي في أسرع وقت. فاتصل بي اليسع بمجرد خروجه منه، فقلت له أنا وين؟ فقال لي بالله بمجرد ما تجي الخرطوم لازم تزور عثمان جمال الدين، وعشان ما تسأل من بيته أنا بجي باخدك من أي مكان. ولكن إرادة الله كانت أسرع، إذ رحل عثمان وسأظل نادمًا إلى أن الحق به، لأن اليسع أخبرني بأن إلحاحه على زيارتي له كان غير عادي.

كم كان يومي هذا متميزًا! لقد كان واحة في ظل حياة متصحرة. وفي أغنية لحمد الريح من كلمات السر قدور جاء (الزمن تاريهو مرة بقساتو بيصفا مرة / جابني ليك من غير إرادة وصحى في أعماقي ذكرى… ما الظروف يا حلوة دايما لعيون حلوة بتجبينا..)

وأخيرًا، عزيزي القارئ، عندما شرعت في هذا المقال، كنت أنوي بعد الرمية أن أكرس المقال لدور الدراما عامة والدراما الإذاعية خاصة في صناعة التماسك القومي في السودان. وفي ذهني ثلاثة مسلسلات هي: “الحيطة المايلة” لحمدنا الله عبد القادر، و”الدهباية” لعلي البدوي المبارك، و”النعمة بت وراق” لعبد المطلب الفحل. لكن الحديث سرقنا، فاقبلوه هكذا. وإن شاء الله في سانحة قادمة سوف نسعى للقول إن الفنون من غناء ودراما من ممسكات الوحدة الوطنية، التي كادت أن تنفرط بفعل الغباء والصراع السياسي… هذا إذا لم نقل قد انفرطت وانتهت.

معذرة لهذه الخاتمة الخشنة.

whatsapp
أخبار ذات صلة