أمجد الطيب يكتب عن سردية التاتشر والتابوت وخطاب الكذبة المتوازنة

30

سردية التاتشر والتابوت وخطاب الكذبة المتوازنة: كيف يتم التبرير لتقسيم السودان باسم الحياد

كتب: أمجد فريد الطيب

 

“الحكومة ليست مجرد سلطة، بل عقد أخلاقي بين الحاكم والمحكومين” جان جاك روسو

 

خطاب “الحكومتين” المخاتل الذي تحاول ترويجه أذرع تحالف “صمود” بعد اجتماعاتهم في أبوظبي والذي يحاول الاستمرار في تسربل خطاب الحياد الكذوب بالحديث عن وجود “حكومتين يتنازعان الشرعية” في السودان، لمحاولة فرض وتطبيع وصف مهزلة “الدعم السريع في نيالا” كحكومة أمر واقع، هو انحياز مُقنَّع يستمر في نهج المساواة الزائفة الذي تبنّوه منذ اندلاع الحرب. هذه مقاربة غير سليمة من جهات مفلسة سياسيا ووطنيا تحاول ان ترسخ لسردية تساوم بين الحفاظ على وحدة السودان واستمرار الحرب وتحقيق اهداف من يصبون الزيت على نيرانها.

ليس ثمة وجود إلا لحكومة سودانية واحدة وجهاز دولة واحد منذ نشأة السودان. ولطالما دار الصراع السياسي حول من يقود هذا الجهاز وفي أي اتجاه، لكن التاريخ السوداني لم يعرف أبداً خطاب مزايدة تقسيمية صريحة كهذا. قاتل جون قرنق الحكومةَ المركزية لأكثر من اربعين عامًا على أسس وقضايا وطنية واضحة، لم تشمل “جنجويداً” أو مطامع إماراتية، لكنه لم يسعى يومًا في تكوين حكومة موازية، ولا تقسيم جهاز الدولة. فالحكومة والدولة ليست مجرد ألقاب ومقاعد، بل هي مؤسساتٌ لتقديم الخدمة العامة! وهذا ما يدفعنا للتساؤل: أي خدمة عامة ينتظر منظري “صمود” و”تأسيس” وابواقهم تقديمها للسودانيين من على ظهور “تاتشرات الجنجويد”؟

إن هذه المزايدة الخطيرة التي تحاول شرعنة تقسيم البلاد هي من منتجات عصر “مدنية الكدمول”، الذي غابت فيه الوطنية عن مرتكزات الممارسة السياسية واسقطتها تماما من حساباتها. فاصبح دعاتها لا يعنيهم أن يتدفق على السودان جيوش من مرتزقة من كوبا أو كولومبيا أو مالي أو غيرها ليقتلوا أبناءه، وينتهكوا أعراض نسائه، ويدمّروا بنيته التحتية، بينما هم يتسامرون مع الكفيل الاماراتي.

القبول بهذا الخطاب ليس حيادًا بل خيانة. خيانة تتدثر بلغة الحياد، بينما تمسك بسكين تقطع به أوصال الوطن. والسياسة المدنية لا تُبنى على المساومة بوحدة البلاد، ولا على السلاح المدعوم من الخارج، ولا على عربات المليشيات.

whatsapp
أخبار ذات صلة