الاعتداءات على اللاجئين السودانيين في أوغندا تتكرر.. هل الهشاشة الأمنية مقصودة؟
متابعات- تاق برس- تجددت مساء أمس الخميس الاعتداءات العنيفة على اللاجئين السودانيين في معسكر كرياندنقو بشمال أوغندا.
واستخدم المهاجمون المنحدرون من جنوب السودان الأسلحة البيضاء والسواطير مما أسفر عن إصابات عديدة في صفوف اللاجئين السودانيين.
وكانت السلطات الأوغندية قد فرضت حظراً للتجوال في المعسكر عقب مقتل لاجئ وإصابة العشرات في هجوم سابق للمعسكر.
وقد شهد مخيم كيرياندونغو للاجئين شمال أوغندا تصاعداً في أعمال العنف التي استهدفت لاجئين سودانيين، حيث أدت الاشتباكات المسلحة المتكررة بين الـ 10 والـ 12 من يوليو الماضي إلى مقتل لاجئ سوداني وإصابة عشرات آخرين، عندما هجم عليهم بالسواطير والسكاكين لاجئون من دولة جنوب السودان، في ظل موجة توتر ناتجة من ندرة الموارد وغياب الضوابط الأمنية.
ويقع مخيم كيرياندونغو على طريق بري رئيس يربط أوغندا بجنوب السودان، وهو أحد أكبر مراكز اللجوء في المنطقة حيث يقطنه نحو 160 ألف لاجئ من جنسيات مختلفة، أبرزهم من وجنوب السودان، إضافة إلى لاجئين من جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي، وهذا المخيم الذي شهد تدفقاً كثيفاً للاجئين السودانيين منذ بداية عام 2024 يعاني في الأصل ضغوطاً متزايدة على الموارد والخدمات نتيجة زيادة أعداد اللاجئين، مما أدى إلى تناقص الأراضي الزراعية المتاحة وتراجع فرص العمل، إضافة إلى انخفاض الدعم المالي والغذائي الذي يتلقونه.
ويحظى المخيم بشعبية كبيرة ويرجع ذلك لموقعه المميز على بعد كيلومترين فقط من بلدة بويالي التي تعد بلدة سريعة النمو وتقع على الطريق الرئيس المعبد الرابط بين كمبالا وغولو، إضافة إلى قربه من جوبا الواقعة خلفه، مما يوفر فرصاً مهمة للتجارة والتنقل.
وفيما كانت مخيمات اللاجئين الأخرى في منطقة غرب النيل نائية وصخرية فإن منطقة كيرياندونغو تتمتع بتربة خصبة وأمطار أفضل مما يتيح إمكان ممارسة الزراعة، إلا أن الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين سرعان ما أدت إلى استنزاف الأراضي الصالحة للزراعة مما جعل قطع الأراضي المخصصة للاجئين تتناقص بصورة ملاحظة بحسب منظمة “الأغذية والزراعة العالمية” (الفاو) ومنظمة “إدارة شؤون اللاجئين”.
والزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين السودانيين أدت إلى استنزاف الأراضي الصالحة بأوغندا.
وتنعكس هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة بصورة مباشرة على تصاعد النزاعات العنيفة داخل المخيم مما يستدعي فهماً معمقاً للعوامل التي تغذي هذا العنف، والأخطار التي يواجهها اللاجئون السودانيون في ظل بيئة تفتقر إلى الاستقرار الأمني وتتطلب الحاجة الملحة إلى تعزيز آليات الحماية والدعم الإنساني.
– توترات عميقة:
وجاءت هذه الأحداث على خلفية خلافات بين مكونات مجتمع اللاجئين بدأت باختلاف حول استخدام ملعب لكرة القدم، لكنها تعكس توترات أعمق مرتبطة باتهام الجيش السوداني بانتهاكات بحق لاجئين من جنوب السودان في ولاية الجزيرة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، مما أثار مشاعر العداء والانتقام داخل المخيم.
وذكر مكتب “مجمع اللاجئين السودانيين في أوغندا” أن هذه الهجمات أحدثت شرخاً عميقاً بين مجتمعي السودانيين وأبناء قبيلة النوير وأدت إلى غياب الطلاب السودانيين عن الدراسة بسبب المضايقات، إضافة إلى احتراق منازل بعضهم، كما أفاد مسؤول الصحة في “المكتب القيادي لمجتمع اللاجئين السودانيين في أوغندا” السنوسي يوسف بأن الهجوم أسفر عن إصابة 20 لاجئاً سودانياً، بينهم حالتان في وضع حرج، وقد جرى نقل جميع المصابين إلى مستشفى منطقة قولو المجاورة لتلقي الرعاية الطبية اللازمة.
وأدى قرار الأمم المتحدة خفض الدعم الموجه للاجئين في أوغندا بصورة كبيرة إلى أزمة غذائية خانقة
وأوضح يوسف أن “بداية الأحداث تعود لتعرض أحد اللاجئين السودانيين لحادثة نهب على أيدي مجموعة من لاجئي جنوب السودان، وعند محاولة تعقبهم تجمع نحو 100 شاب وشنوا هجوماً واسعاً على السودانيين”، مشيراً إلى أن الاعتداءات على اللاجئين السودانيين شهدت تصاعداً ملاحظاً خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، مما دفعهم إلى عقد اجتماع مشترك قبل ثلاثة أشهر ضم مكتب رئيس الوزراء الأوغندي ومشايخ مجتمع اللاجئين من جنوب السودان، مضيفاً أنه جرى خلال الاجتماع الاتفاق على ضرورة كبح حالات الانفلات الأمني المتكررة.
وأوضحت “هيئة محامي الطوارئ” عبر بيانها الصادر في الـ 13 من يوليو الماضي أن هذه الاعتداءات تعكس توتراً متراكماً داخل المخيم، ودعت إلى محاسبة الجناة وتعويض الضحايا مع التركيز على حماية الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال وكبار السن، كما طالبت بإعادة إدراج الأسر السودانية ضمن برنامج الغذاء العالمي بعد استبعادها أخيراً، وتوفير مأوى لائق بعد انهيار الخيم القائمة، إضافة إلى تقديم دعم عاجل يشمل الغذاء والعلاج الطبي والتعليم، وفي السياق ذاته أكد “التحالف المدني الديمقراطي للقوى الثورية” (صمود) تواصله المستمر مع الحكومة الأوغندية لضمان أمن اللاجئين وتوفير الرعاية الطبية للمصابين، مشيداً بتجاوب القيادة الأوغندية.
– خفض المساعدات:
وأدى قرار الأمم المتحدة خفض الدعم الموجه للاجئين في أوغندا بصورة كبيرة إلى أزمة غذائية خانقة، إذ كشف برنامج الغذاء العالمي في الـ 30 من يونيو (حزيران) الماضي أن كثيراً من اللاجئين السودانيين يعيشون على أقل من 500 سعرة حرارية يومياً، وهو ما لا يغطي سوى جزء ضئيل من الحاجات الغذائية الأساس، وقال أحد قادة اللاجئين الجنوبيين إن “اللاجئين السودانيين أصبحوا أكثر حضوراً ونفوذاً في المنطقة، كما خصصت لهم مفوضية شؤون اللاجئين أراض كانت سابقاً تستغل من الجنوبيين لأغراض الزراعة وتحقيق مكاسب معيشية، مما أدى إلى فقدانهم امتيازات كانوا يعتمدون عليها منذ أعوام”.
وظل اللاجئون الجنوبيون الذين يقيمون في مخيم كيرياندونغو منذ اندلاع الحرب في بلادهم منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2013 طوال تلك الفترة يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتأمين حاجاتهم، غير أن خفض المساعدات الغذائية منذ يناير الماضي إلى نحو خمسة دولارات شهرياً للفرد، مع استثناء عدد كبير من الفئات من الدعم، فاقم الأوضاع المعيشية وأدى إلى ارتفاع معدلات النهب والسرقة داخل المخيمات.
وأعلنت الحكومة الأوغندية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن البلاد تستضيف حالياً ما يقارب مليوني لاجئ، بينهم أكثر من 110 آلاف لاجئ سوداني فروا منذ اندلاع الحرب في بلادهم في أبريل (نيسان) 2023، وفي بيان مشترك صدر في الـ 30 من مايو (أيار) الماضي عقب اجتماع رسمي في الـ 23 من الشهر ذاته، حذر الطرفان من أزمة تمويل خطرة تهدد استمرار الخدمات الأساس، إذ لا يغطي التمويل الحالي سوى 17 في المئة من الحاجات الفعلية للعام الحالي.
وفي السياق ذاته أكدت “شبكة أطباء السودان” تفاقم معاناة أكثر من 50 ألف لاجئ سوداني داخل مخيم كيرياندونغو مع توقف المساعدات الغذائية وتراجع الخدمات الصحية إلى مستويات خطرة تنذر بانتشار الأمراض وسوء التغذية بين الأطفال والنساء، واتهمت الشبكة بعض المنظمات الدولية بالتقاعس عن أداء واجباتها مطالبة المجتمع الدولي بزيادة التمويل المخصص لأوغندا وتوفير إغاثة عاجلة قبل وقوع كارثة إنسانية أوسع.
– هشاشة الخدمات:
معهد “سكالابريني للتنقل البشري في أفريقيا” قال بدوره إنه “بحسب الميثاق العالمي للاجئين فإن أوغندا تمنح اللاجئين الأرض وحرية التنقل وخيار الإقامة في المناطق الحضرية إذا كانوا قادرين على إعالة أنفسهم، غير أن هذه السياسات تواجه ضغوطاً كبيرة بسبب نقص التمويل المزمن، إذ لم تحصل خطة الاستجابة القُطرية للاجئين في أوغندا لعام 2024، والتي تتطلب 860 مليون دولار أميركي لتقديم الدعم لأكثر من 1.7 مليون لاجئ و2.7 مليون من أفراد المجتمعات المضيفة، إلا على 13 في المئة فقط من التمويل المطلوب، مما يزيد من هشاشة الخدمات الإنسانية في ظل الأزمات العالمية المتعددة”.
وجاء في إفادة “سكالابريني” أنه “بعد الأحداث الأخيرة أوفدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مبعوثاً من جنيف في زيارة ميدانية استمرت يومين لتقييم الأوضاع الإنسانية والأمنية، فالتقى المبعوث عائلات سودانية وجنوب سودانية داخل المخيم رفقة وفد من مكتب الحماية في المفوضية ومسؤولين حكوميين أوغنديين مع قائد المخيم، واستعرض تقارير ميدانية ورسائل رسمية بينها رسالة المفوض السامي فيليبو غراندي في الـ 22 من مارس (آذار) الماضي، إضافة إلى توثيق مصور للأضرار والخسائر، كما زار مركز استقبال اللاجئين الجدد لتقييم أوضاع الوافدين من السودان وسط مخاوف متصاعدة من استمرار تدهور الوضع الأمني”، مضيفاً أنه “على مستوى الاستجابة عينت المفوضية الاتحاد اللوثري العالمي شريكاً منفذاً متعدد القطاعات في كيرياندونغو منذ يناير 2024 لتقديم الخدمات الأساس، بما في ذلك الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي، وأوضح برنامج الاتحاد في أوغندا أن جهوده تركز على توفير الرعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي عبر جلسات إرشاد ومتابعة لتعزيز صمود المتضررين من الصدمات”.
وفي التقرير الذي أصدرته بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق حول السودان خلال زيارتها لأوغندا نهاية عام 2024، فقد أفاد بأن المراقبين التقوا أكثر من 200 لاجئ سوداني داخل المخيم واستمعوا إلى شهادات صادمة عن الظروف الإنسانية القاسية، وأكد رئيس البعثة محمد شندي عثمان أن ملايين السودانيين يعيشون داخل مخيمات مكتظة من دون فرص عمل أو سبل عيش، بينما يتواصل النزاع المسلح في بلادهم.
تنسيق الاستجابة
من جهتها أصدرت منظمات المجتمع المدني في دولتي السودان وجنوب السودان بياناً مشتركاً على خلفية أحداث مخيم كيرياندونغو دعت فيه إلى ضرورة حماية اللاجئين وضمان تطبيق الإجراءات القانونية بعدالة، إضافة إلى تعزيز الحوار والمشاركة المجتمعية والتواصل المسؤول، فضلاً عن التصدي لخطاب الكراهية، كما ناشدت “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” ومكتب رئيس الوزراء الأوغندي والمنظمات الشريكة، بتنسيق استجابة شاملة تضع أصوات اللاجئين في صميم عملية الاستجابة.
وفي المقابل دعا “المكتب القيادي للاجئين السودانيين” المفوضية والأطراف الدولية إلى التدخل العاجل لتأمين الحماية داخل المخيم وتوفير المساعدات الإنسانية والطبية اللازمة، محذراً من احتمال تجدد أعمال العنف ذات الطابع العرقي ومؤكداً أن استهداف لاجئين من قبل لاجئين آخرين “عمّق مشاعر الخذلان وانعدام الثقة”.
كما عقد سلسلة اجتماعات مع عدد من المنظمات الدولية شملت “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين” ومنظمة “قف دايركتلي” ومكتب رئيس الوزراء الأوغندي، وجرت مناقشة القوائم التجريبية الخاصة بالمستحقين للمساعدات النقدية، إذ تبين استبعاد أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين المؤهلين، خصوصاً المسجلين بين ديسمبر 2023 ومارس 2024، وخلصت الاجتماعات إلى ضرورة تحديث القوائم وضمان شمول جميع الأسماء المستحقة.
وسينطلق برنامج المساعدات النقدية باستهداف 4 آلاف أسرة مسجلة خلال الفترة المشار إليها، وسيمنح كل منها مبلغ 3.5 مليون شلن أوغندي (970 دولاراً أميركياً)، كما بحثت الاجتماعات التحديات الصحية التي تواجه اللاجئين، وأكد مسؤولو الحماية التنسيق مع اللجنة الدولية للإغاثة لمعالجة إشكالات نقل المرضى، كما جرى الاتفاق كذلك على عقد اجتماعات دورية داخل المجتمعات السودانية في المخيم لمناقشة قضايا التعليم والخدمات الأخرى.
من جهتها أكدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنها تواصل جهودها مع الحكومات والدول لتخصيص حصص جديدة لإعادة توطين اللاجئين السودانيين، مشيرة إلى أنها تتابع عن كثب ملف التأشيرة رقم 201 الخاصة بأستراليا لتأمين فرص إضافية تسهم في تخفيف معاناتهم.