أغرب من الخيال.. لن تصدق ما فعله السودانيون في السعودية مع الممرضة رانيا

44٬071

في مشهد حقيقي يعبر عن معنى التكافل الاجتماعي ويترجم عادات الشعب السوداني والذي سطر اعظم ملحمة حين نجح أبناؤه في المملكة العربية السعودية في جمع مبلغ ضخم يفوق 800 ألف ريال سعودي خلال أقل من 24 ساعة، لإنقاذ الممرضة السودانية رانيا حسن أحمد علي بعد صدور حكم قضائي في حقها بدفع غرامة مالية ضخمة بسبب خطأ طبي في أحد مستشفيات تبوك.

الممرضة رانيا تعرضت لحكم قضائي بدفع 802,000 ريال سعودي كتعويض لأسرة طفل توفي بسبب خطأ طبي في المستشفى الذي تعمل به. هذا الحكم كان يمكن أن يهدد مستقبلها المهني وحريتها الشخصية.

وتم إطلاق حملة تضامنية مع رانيا عبر منصات التواصل الاجتماعي شهدت تفاعلًا كبيرًا من السودانيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى، حيث ساهم المئات في جمع التبرعات المالية لإنقاذ الممرضة رانيا.

وقد تم جمع المبلغ في 12 ساعة فقط، وتسابقت أيدي الخير من السودان والسعودية ومصر والفلبين وغيرها من الجنسيات، لتضع بصمتها في سجل التضامن الإنساني.

 

أغرب من الخيال.. لن تصدق ما فعله السودانيون في السعودية مع الممرضة رانيا
الممرضة رانيا

 

 

السودانيون على وجه الخصوص خطّوا أروع لوحة، يؤازرون بنت بلدهم في محنتها، مؤكدين أن روح التكافل بين أبناء البلد لا تعرف الحدود.

وعن هذا كتب الصيدلي على صفحته الشخصية في فيسبوك: (خرجت رانيا في أقل من يوم آملة مزدهرة وجديدة، بكرم ربنا ووقفة أهلها، ولسان حالها يردد بفخر خلف شاعرنا إسماعيل حسن:

بلادي أمان وناسا حُنان

يكفكفوا دمعة المفجوع

يحبو الدار يموتو عشان حقوق الجار

يخوضو النار شان فد دمعة

كيف الحالة لو شافوها سايلة دموع؟

يفضلوا الغير على ذاتم يقسموا اللقمة بيناتم

ويدّوا الزاد حتى ان كان مصيرم جوع..

ديل أهلي.. البقيف في الدارة وسط الدارة واتنبر وأقول لي الدنيا ديل أهلي..

أقول بعضي ألاقيهم تسرّبوا في مسارب الروح بقوا كُلِّي.

محل قبلت القاهم معايا.. معايا زي ضلي)

ويضيف: إنها ليست قصة غرامة أو مبلغ مالي فقط، بل هي ملحمة إنسانية ناصعة، تعلّمنا أن الإنسان أخو الإنسان حيثما كان.

بينما كان لآخرين رأي متحفظ حيث كتب غزالي آدم موسى بوست بعنوان “التعاطف حين يضل طريقه.. قراءة عقلانية في حملة سداد غرامة الممرضة رانيا” وجاء فيه الاتي:

“تفاعل السودانيون بسرعة لافتة مع قضية الممرضة السودانية العاملة بتبوك، حيث جُمِع المبلغ المحكوم به ضدها خلال ساعات قليلة. إنسانيًا، هذا المشهد يُثلج الصدر ويعكس تضامنًا كريمًا. لكن عقلانيًا وقانونيًا، يحق لنا أن نتساءل: هل كان هذا النوع من “النفير” صائبًا في جوهره؟ أم أنه يُنتج آثارًا جانبية خطِرة على العدالة، على سلامة المرضى، وعلى مهنة التمريض نفسها؟

أولًا: ما معنى صدور حكم بالتعويض؟

في قضايا الأخطاء الطبية، لا تُصدر المحاكم أحكام التعويض جزافًا. بل لا بد من تحقق ثلاثة عناصر جوهرية:

1. ثبوت الخطأ المهني: أي أن الممارس انحرف عن الأصول والمعايير المعتمدة في مهنته.

2. وقوع الضرر: ضرر جسيم وملموس لحق بالمريض أو ذويه.

3. الرابطة السببية: أن يكون الضرر نتيجة مباشرة لذلك الخطأ، لا لعوامل خارجية.

وبعد نظر المحكمة المختصة، انتهى الحكم إلى إلزام الممرضة بمبلغ محدد، ما يعني أن المسؤولية وُضعت على عاتقها بصفتها الفاعل المباشر للخطأ. ما لم يُلغَ الحكم استئنافًا أو تُظهر وثائق جديدة توزيعًا آخر للمسؤولية، فإن المنطلق الموضوعي الوحيد هو الاعتراف بمسؤوليتها التامة ضمن ما قضى به الحكم.

إذن لسنا أمام “مظلومية” مفترضة، بل أمام مسؤولية مثبتة قضائيًا. والعدالة—كي تبقى عدالة—تفترض أن يتحمل كل طرف تبعات أفعاله بعد ثبوتها. وإلا تحولت الأحكام إلى نصائح أخلاقية يمكن تجاوزها بنوبة تعاطف جماعي موسمية.

ثانيًا: التعاطف غير المنضبط خطر على العدالة

حين يسارع الناس لسداد غرامة مترتبة على خطأ مهني مثبت، فهم—ولو بحسن نية—يقلّصون كلفة المسؤولية على صاحبها. وهذا ما يُعرف اقتصاديًا بـ المخاطرة الأخلاقية: أي أن الممارس قد لا يلتزم بالصرامة الكاملة إذا شعر أن المجتمع سيتكفّل بالعقوبة إن أخطأ.
النتيجة: تضعف وظيفة الردع، ويصبح المريض الحلقة الأضعف.

ثالثًا: لمن يجب أن يُوجَّه التعاطف؟

التعاطف الراشد لا يُلغِي العدالة، بل يكمّلها في اتجاهين أساسيين:

نحو الضحية وأسرته: فهم الذين تحمّلوا الضرر الدائم والأحق بالدعم المادي والمعنوي.

نحو الوقاية المستقبلية: بتمويل التدريب، تحسين البروتوكولات، وتوفير التأمين المهني.

أما تحويل الغرامات إلى حملات تضامن، فيسحب البساط من تحت الضحايا ويترك جذور المشكلة على حالها.

رابعًا: لماذا تعاطف الناس؟

لأن القصة تمس صورًا مؤثرة: أمومة، طفل متضرر، نقص أكسجين.

لأنها تخص ممرضة سودانية مغتربة، فاستُدعيت روح الانتماء.

لأن المنصات الرقمية صاغت الحدث بصورة سهلة وسريعة التفاعل.

ولأننا رأينا المخطئة أمامنا، بينما غابت صورة الضحية.

هذه دوافع إنسانية مفهومة، لكنها لا تكفي لتجاوز حكم قضائي.

خامسًا: نحو تعاطف مسؤول

لا ينبغي تمويل غرامات الأخطاء الطبية بعد أن تثبت قضائيًا.

الاستثناء الوحيد: إذا كان الخطأ مؤسسيًا لا فرديًا.

إلزام التأمين المهني للممارسين لحماية المرضى والممارس معًا.

تخصيص قنوات دعم واضحة: صندوق للضحايا، وآخر للتدريب، لا صندوق لسداد الغرامات”

وختم قائلا: “التعاطف قيمة عظيمة، لكن إذا لم يُضبط بمعايير العدل، صار مجاملة عاطفية على حساب الضحايا والمهنة. الحكم نسب الخطأ للممرضة، وتحملها للغرامة جزء من تحقيق العدالة. أما الفزعة الأجمل فهي التي تحمي مستقبل الأطفال: بتدريب صارم، بروتوكولات دقيقة، وتأمين مهني يحفظ التوازن بين الرحمة والمسؤولية”.

whatsapp
أخبار ذات صلة