الاتحاد الأوروبي يغمض عينيه عن انتهاك حظر السلاح في ليبيا ودارفور
وكالات- متابعات تاق برس- هكذا أغمض الاتحاد الأوروبي عينيه عن انتهاك حظر السلاح في ليبيا ودارفور
تحقيق- لوكا غامبارديلا
مؤثر إعلامي وصحفي إيطاليا
تحقيقٌ حول سفينةٍ محمّلة بالذخيرة وسيارات «بيك-أب» جرى تفتيشها في اليونان، لكنها تُركت تواصل طريقها إلى مصراتة وبنغازي وطبرق خشيةَ تدفّق المهاجرين. صورٌ وشهادات، ورسالة من عملية «إيريني» إلى المشتبه به في تهريب السلاح: «شكرًا على تعاونكم». هذه هي قضية السفينة Aya 1 وشحناتها القادمة من الإمارات.
في مطلع يوليو/تموز، نبّهت الاستخبارات الأميركية قيادة المهمة العسكرية الأوروبية «إيريني» إلى سفينةٍ مشبوهة. اسمها Aya 1، وهي سفينة حاويات ترفع علم بنما؛ أبحرت في الأول من يوليو من ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة، وكانت وجهتها الظاهرية بحسب نظام التتبع بالأقمار الصناعية (AIS) ترنووزن في هولندا. إلا أنّ الأميركيين اعتقدوا أنّ وجهتها الحقيقية هي بنغازي شرق ليبيا، وأنها لا تحمل مستحضرات تجميل أو سجائر أو مواد إلكترونية كما في وثائق الشحن، بل ذخيرةً ومئات سيارات «البيك-أب» لأغراض عسكرية.
تُظهر صور أقمار صناعية اطّلع عليها Il Foglio أنه في 22 يوليو، قرب كريت، اقتربت من Aya 1 فرقاطةٌ يونانية (Themistokles) وأخرى إيطالية (Francesco Morosini)، وكلتاهما ضمن عملية «إيريني». وقد أُطلقت هذه المهمة الأوروبية قبل خمس سنوات لمراقبة تطبيق حظر السلاح المفروض على ليبيا، وانتقلت قيادتها في يوليو إلى إيطاليا. لكنّ الأمور سارت هذه المرة على نحوٍ مختلف.
وتؤكد عمليات التفتيش على متن السفينة أنها كانت تحمل بالفعل مئات المركبات المصفّحة وذخائر متجهةً إلى ليبيا، ومنها إلى السودان لصالح قوات الدعم السريع (RSF) بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، والمدعوم من الإمارات. ومع ذلك، سُمح للسفينة بمواصلة رحلتها نحو ليبيا. وتمكّن Il Foglio من إعادة بناء كيف ولماذا أغمضت أوروبا عينيها عن هذا الانتهاك للحظر، كما توصّل إلى هوية الشخص المسؤول عن تهريب هذه الشحنة من الإمارات إلى السودان مرورًا بليبيا.
كان الصحافيّ اليوناني To Vima أول من سرّب أنباءً عن الشحنة المشبوهة على متن Aya 1. وكما تنص «قواعد الاشتباك» – الضعيفة نسبيًا – لعملية «إيريني»، تعيّن على قيادة المهمة أن تطلب أولًا إذن دولة العلم لتفتيش السفينة. تقول لنا مصادر عسكرية: «إجراءات هذا النوع من التفتيش معقّدة. عادةً، حين تحصل “إيريني” على إذن صعودٍ إلى سفينةٍ تجارية، تُنفِّذ المهمة على أكمل وجه وتُعلن عنها لإثبات فاعليتها». لكن في حالة Aya 1 ظلّت قنوات الاتصال التابعة لـ«إيريني» صامتةً على نحوٍ لافت، ربما تفاديًا للضجّة. وبعد التفتيش في عرض البحر، قامت الفرقاطة الإيطالية Francesco Morosini مساء 27 يوليو بمرافقة السفينة إلى ميناء أستاكوس اليوناني، حيث بقيت أربعة أيام. وخلال هذه الوقفة القسرية، بدأت مفاوضات دبلوماسية مكثفة بين أثينا ودبي وبروكسل وطرابلس؛ وتفيد الصحافة اليونانية بأن كيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس الوزراء، كان مُحدَّثًا أولًا بأول.
ويوضح لنا الباحث جلال حرشاوي (Royal United Services Institute – لندن) أن المسألة كانت حساسة لأثينا: «اليونانيون في خضمّ توترٍ مع قائد برقة، المشير خليفة حفتر، بشأن تدفّق المهاجرين من شرق ليبيا إلى كريت والذي بلغ ذروة غير محتملة بين مايو ويونيو». كما زادت الحساسية بسبب نزاعات ترسيم الحدود البحرية وطرد بعثةٍ أوروبية من بنغازي قبل شهرين. من جهةٍ، لم تُرِد الحكومة اليونانية إغضاب الحليف الأميركي الذي نبّه إلى السفينة، ومن جهةٍ أخرى لم ترغب في استفزاز حفتر أكثر.
وبحسب ما أمكن إعادة بنائه، توصّلت أثينا إلى حلٍّ مُركّب: أولًا، جمعت مواد تُثبت انتهاك الإمارات لحظر السلاح وأحالت الأدلة إلى فريق الخبراء الأممي المعني بليبيا. ثم طلبت من «إيريني» السماحَ للسفينة بمغادرة الميناء وتسليم شحنتها. ولتفادي إنزال الشحنة مباشرةً في بنغازي – تحت يد سلطات الشرق غير المعترف بها دوليًا – جرى تحويل مسارها غربًا، أي عبر طرابلس تحت سلطة حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها أمميًا. وقد أكّد متحدّثٌ باسم المفوضية الأوروبية لـIl Foglio أنه «بعد تلقّي الوثائق اللازمة من حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، وبموجب الاستثناءات السارية على حظر السلاح الأممي، تمّ السماح للسفينة باستئناف رحلتها إلى ليبيا». عمليًا، منحت بروكسل الضوء الأخضر لتسليم الأسلحة عبر ليبيا، مستندةً إلى استثناءاتٍ يُفسَّر نطاقها في العادة بمرونة.
وهكذا، في 1 أغسطس/آب استأنفت Aya 1 رحلتها، لكن بدل التوجّه إلى بنغازي كما كان مخططًا، اتجهت إلى مصراتة حيث رست في 4 أغسطس/آب. هناك – بحسب مصادر عسكرية – أُنزل جزءٌ من سيارات «البيك-أب»، ويؤكد ذلك فيديو صُوِّر بعد أسابيع على الطريق بين مصراتة وطرابلس. يظهر في الفيديو – أقلّه – ثلاث ناقلات سيارات محمّلة بما يبدو أنه عشرات سيارات تويوتا لاند كروزر 79 باللون البيج وربما بعض لاند كروزر V8، وهما طرازان منتشران في حرب السودان الدائرة. ولتفادي التعقيدات، يجري أحيانًا تركيب الدروع لهذه المركبات بعد إنزالها في ليبيا. وتُظهر دراسةٌ نشرها مؤخرًا Center for Information Resilience (CIR)، مستندة إلى تحليل فيديوهات نشرها مقاتلون سودانيون أنفسهم، أنّ هذه المركبات تُستخدم من قِبل رجال حميدتي المتمركزين جنوب الجوف في الصحراء الكبرى داخل الأراضي الليبية، حيث انطلقت عمليات عسكرية نحو شمال دارفور كثيرًا ما انتهت بمجازر بحقّ المدنيين العزّل. وفي الأسبوع الماضي، أسفرت إحدى هجمات قوات الدعم السريع عن مقتل نحو 1500 نازح في مخيم زمزم.
وبحسب مسؤولٍ دبلوماسيٍ تحدّث إلى Il Foglio، فإن «تسليم هذه المركبات لسلطات طرابلس كان أشبه بـ(إكرامية)، وربما مكافأة إماراتية لرئيس الوزراء الليبي عبدالحميد الدبيبة لأنه سمح بعدم ضياع الشحنة ووصولها إلى ليبيا». وهكذا جرى توزيع جزءٍ من المركبات على الميليشيات الموالية لحكومة طرابلس، ولا سيّما لصالح اللواء 111 بقيادة عبد السلام الزوبي، نائب وزير الدفاع. أما ما تبقّى من الشحنة فغادر في اليوم التالي إلى بنغازي ثم طبرق وفق خطٍّ غير معتاد. تُظهر صورٌ فضائية عمليات التفريغ في موانئ الشرق الليبي. ومن هناك واصلَ رتلُ «البيك-أب» طريقه إلى السودان؛ ويُرجَّح أن فيديو نُشر الأحد على منصّة X يُظهر رجال قوات الدعم السريع يقودون أكثر من مئة تويوتا هايلوكس عبر الصحراء الليبية باتجاه نيالا في جنوب دارفور، وهو ما قد يكون جزءًا من شحنة Aya 1.
منذ اندلاع الصراع قبل عامين، تعتمد ميليشيات حميدتي على دعمٍ عسكري من الإمارات العربية المتحدة الساعية للهيمنة على شبكات التحويلات والتهريب في المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر. ومن الوسائل المفضّلة لدى الإمارات لتسليح قوات الدعم السريع «جسرٌ جويّ» ينطلق من رأس الخيمة والعين إلى بنغازي أو الكفرة ضمن المناطق الخاضعة لحليفهم حفتر، ومنها تُنقل الشحنات جنوبًا. ويقول محلّلون مستقلون – مثل Rich Tedd الذي يتتبّع منذ سنوات خط الإمداد بين الإمارات وأفريقيا – إن هذا الجسر يُغذّى بشكل شبه يومي. وتؤكّد مصادر دبلوماسية أنّ «آلاف» سيارات «البيك-أب» المصفحة تعبر الصحراء الليبية إلى السودان، وبمعدّل شحنةٍ كل ثلاثة أسابيع تقريبًا. وفي البحر، حيث يصعب اعتراض سفن السلاح وتفتيشها، تُثقل البيروقراطية كاهل «إيريني» وتفاقم الانقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي التي توظّف المهمة أحيانًا لأغراضها الخاصة – كما حدث مع اليونان في قضية Aya 1. وتدخّل الاستخبارات الأميركية هنا أكره الأوروبيين على التحرّك، مكررًا ما جرى في يوليو/تموز 2024، حين «أوعزت» واشنطن إلى الشرطة المالية الإيطالية (Guardia di Finanza) بتفتيش حاوية في ميناء جيويا تاورو اتضح لاحقًا أنّها تحوي طائرات مسيّرة صينية متجهة إلى ليبيا.
تقول لنا مصادر: «حين يتدخّل الأميركيون لعرقلة تهريب السلاح إلى ليبيا، فذلك لأن لهم مصلحة مباشرة». وفي حالة Aya 1، لهذه المصلحة اسمٌ ولقب: أحمد العشيبي، رجل أعمال ليبي ومالك الشركة التي تُسيّر السفينة. يوصف من يعرفه بأنه «رجلٌ شديد الخطورة»، يملك شركاتٍ عدّة بين الإمارات وليبيا؛ من بينها Alushibe Group العاملة في اللوجستيات والشحن ومقرها دبي، والتي تُظهر سجلات Seasearcher (Lloyd’s List Intelligence) أنها مالكة لشركة UDS Shipping Services LLC الإماراتية، المُشغّل التجاري لـAya 1. وأحيانًا يستخدم جدالة اسم أحمد العلوشيبة، وهو ما يتّضح من مطابقة الصور والمعلومات المتاحة عن أنشطة شركاته مع نسخةٍ من جواز سفره بحوزة الصحيفة. وتشير تقارير ليبية (قناة Libia 360) إلى مشكلاتٍ قانونية واجهها في الإمارات بين 2016 و2018، حين دخل في أعمال مع شركات مرتبطة بتنظيماتٍ متطرفة؛ وقد أدّى تنبيهٌ أميركي حينها إلى توقيفه، قبل أن يتدخّل خليفة حفتر لدى سلطات أبوظبي لإعادة تأهيله. فخلال هجوم 2019 على طرابلس كانت الإمارات أحد أبرز الداعمين العسكريين والماليين لحفتر، ووجدت في رجلٍ مثل جدالة – الناشط بين البلدين وصاحب الشبكات – «ورقةً مفيدة».
اتصل Il Foglio هاتفيًا بالسيد العشيبي، فنفى كلَّ الاتهامات: «أنا رجل أعمال مهمّ، ويراني الفاسدون خطرًا لأنني أنجز أشياء كبيرة لبلدي؛ إنهم فقط يحاولون تشويهي. لا علم لي بهذه الأنشطة لا مع ليبيا ولا مع السودان». وقال إنه موجودٌ في ألمانيا لإبرام عقدٍ بقيمة 400 مليون يورو مع Siemens، مضيفًا: «لديّ أيضًا أعمال كثيرة في إيطاليا مع Danieli مثلًا». ونفى أن يكون قد اعتُقل في دبي: «بعض شركاتي تعاملت مع شركاتٍ واجهت مشكلات؛ تحقّقوا منّي ولم يجدوا شيئًا. صادَروا جواز سفري لبضعة أشهر فقط». أمّا عن الاسمَين، فيشرح أنّ المسألة «عملية» لا أكثر: «اسم (الجاد الله) شائعٌ جدًا، بينما (العشيبي) أسهل في التذكّر». وبمرور السنوات، غدا أحمد أحد أكثر رجال الأعمال نفوذًا في شرق ليبيا، وله دورٌ بارزٌ أيضًا في بنك التجارة والتنمية في بنغازي الذي يقوده صدام حفتر نفسه. تقول مصادر ليبية: «هو في موقعٍ مميّز؛ كلما احتاج آل حفتر إلى عونٍ أو مال – لاستثماراتٍ أو صفقاتٍ دولية أو مقاولاّت – يلجؤون إليه». ويردّ العشيبي: «أنا رئيس أكبر مصنعٍ في العالم للصلب الأخضر في بنغازي. طبيعي أنني أعرف آل حفتر، مثل كل من يعمل في الشرق».
وتتابع مصادر مطّلعة: «يتابعه الأميركيون منذ زمنٍ لتعامله أيضًا مع الروس والصينيين في ليبيا». وأكثر ما أقلقهم هو تهريب وقود الديزل. تُظهر صورٌ فضائية Aya 1 وهي تقوم بعملياتٍ مريبة في مارس/آذار الماضي بـطبرق شرق ليبيا؛ إذ تبدو السفينة خلال تحميل ما يُشبه الديزل، مع 11 صهريجًا متوقفًا على الرصيف قربها. وتكمن غرابتان في الصورة: أولًا، أن ليبيا مستورِدٌ صافٍ لوقود الديزل، فمن غير المعتاد أن تُصدِّره سفينة ليبية؛ وثانيًا، أن Aya 1 سفينة حاويات وليست ناقلة نفط. وتشرح مصادر فنية أن «الطريقة المستخدمة لنقل الديزل خطِرة لكنها فعّالة لمن أراد إخفاء الحمولة: استعمال أكياس مطاطية مرنة توضع داخل الحاويات». وقد تتبّعت الولايات المتحدة هذه السفينة مرّاتٍ عدة خلال أنشطةٍ مشبوهة، لكنها انتظرت – على ما يبدو – إلى أن باتت الشحنة «أسلحةً وبيك-أب» لإخطار «إيريني»؛ ربما اعتقادًا بإمكان اتهامه بأمرٍ أخطر. لكن ذلك كان خطأً بالنظر إلى ما آلت إليه الوقائع.
يقول العشيبي: «اكتبوا أشياء طيبة عني، وإن لم تفعلوا فلا مشكلة، هذا حقّكم… لكن ليس لدي ما أخفيه: لا تهريب أسلحة ولا ديزل. تخيّلوا أن جماعة “إيريني” أرسلوا لي رسالة اعتذار». وقد أحال إلينا بالفعل رسالةً من قيادة المهمة الأوروبية موقّعة من الأميرال الإيطالي فالنتينو رينالدي، قائد «إيريني»: «أعبّر لكم عن امتناني لحُسن تعاونكم مع EUNAVFOR MED Irini»، ويضيف: «أرجو توجيه Aya 1 إلى ميناء طرابلس لتفريغ الشحنة تحت إشراف حكومة الوحدة الوطنية. وستؤمّن EUNAVFOR MED الإفراج الفوري عن Aya 1». وهذه الرسالة وثيقةٌ مهمّة لعدّة أسباب: فبرغم لهجتها اللبقة، ليست اعتذارًا حقيقيًا؛ إذ لا تُقرّ «إيريني» في أي موضعٍ بأن السفينة خلت من موادّ محظورةٍ بموجب حظر السلاح على ليبيا. كما أنها تطلب صراحةً من ربان الشحن الأوكراني الكابتن أنطونيوك فولوديمير التوجّه إلى طرابلس، بينما اتجهت السفينة في النهاية إلى مصراتة مخالفِةً تعليمات المهمة. وأمرت الرسالة بالتفريغ في طرابلس، لكن صور الأقمار الصناعية تُظهر أن جزءًا من الحاويات سُلِّم أيضًا في بنغازي – وربما في طبرق حيث دام التوقّف ما لا يقل عن 19 ساعة – وهو ما يُشكّل مخالفةً أخرى لأوامر «إيريني».
وهكذا طُويت قضية Aya 1 في غضون أسابيع قليلة – على ما يبدو لصالح العشيبي – بعد أن وصل جزءٌ من الشحنة إلى وجهتها في السودان، فيما تابعت السفينة أنشطتها. وفي الأيام الأخيرة، كانت سفينة الحاويات تُبحر في خليج عدن متجهةً نحو ميناء جبل علي حيث بدأت القصة. غير أن أعمال رجل الأعمال النافذ قد تصبح أكثر اهتزازًا في الأشهر المقبلة، إذ إن فريق خبراء الأمم المتحدة يُعدّ تقريره حول أوديسة Aya 1.