تماثيل مدمّرة وذاكرة منهوبة.. هل يستعيد السودان آثاره من فجيعة تداعيات الحرب؟

41

متابعات – تاق برس- في باحة متحف السودان القومي يقف التمثال الضخم للملك تهارقا، أحد أبرز ملوك مملكة كوش القديمة، شامخًا وسط الركام. لم يعد محاطًا بالزوار ولا الباحثين، بل بقطع زجاج مهشمة وتماثيل محطمة تروي مأساة وطن يودع ذاكرته قطعة قطعة. وبعد عامين من الحرب، لا يزال الغموض يلف مصير عشرات الآلاف من القطع الأثرية التي اختفت منذ الإعلان الرسمي عن نهب المتحف.

 

غرفة الذهب.. الكنز المفقود

 

في مارس/آذار الماضي، دخل موظفو قطاع الآثار المتحف للمرة الأولى منذ عامين عقب استعادة الجيش السيطرة على وسط الخرطوم، فكانت الصدمة بحجم الفقد. إذ اختفت بالكامل “غرفة الذهب” التي ضمّت مقتنيات فريدة من ذهب خالص، بعضها يعود إلى نحو ثمانية آلاف عام. وصفتها مديرة المتاحف السودانية إخلاص عبد اللطيف بأنها “مقتنيات لا تقدّر بثمن”، مؤكدة أن سرقتها تمثل ضربة قاسية لحضارة كوش التي لا تقل عظمة عن الحضارة المصرية رغم محدودية شهرتها.

 

 

تماثيل مدمّرة وذاكرة منهوبة.. هل يستعيد السودان آثاره من فجيعة تداعيات الحرب؟

 

اتهامات وجريمة حرب

 

اتهمت الحكومة السودانية قوات الدعم السريع بالمسؤولية عن تدمير ونهب ما يزيد على 500 ألف قطعة أثرية، واصفة ذلك بـ”جريمة حرب” ضد الهوية الوطنية.

 

وتشير شهادات رسمية إلى أن جزءًا من المقتنيات نقل عبر أم درمان إلى غرب السودان ومنها إلى تشاد وجزء آخر إلى جنوب السودان بل حتى مصر.

 

وفي مواجهة هذا النزيف، أطلقت منظمة اليونسكو نداءً عالميًا لوقف الاتجار بالآثار السودانية، فيما يشارك الإنتربول في عمليات تعقب دقيقة عبر الحدود.

 

دمار يتجاوز الخرطوم

 

لم تتوقف الخسارة عند المتحف القومي وحده؛ فقد نهبت أو دمرت أكثر من 20 مؤسسة ثقافية في مناطق الحرب، منها متحف بيت الخليفة في أم درمان، ومتحف علي دينار في الفاشر، ومتاحف أخرى في الجنينة ونيالا التي تحولت إلى ثكنات عسكرية.

وتقدّر هيئة الآثار السودانية الخسائر بما يفوق 110 ملايين دولار، لكن الأثر الأعمق يبقى ضياع ذاكرة حضارة عمرها أكثر من سبعة آلاف عام.

 

ذاكرة وطنية تنتظر الإنقاذ

 

ورغم قسوة المشهد، لا تزال السلطات السودانية بالتعاون مع شركاء دوليين تواصل سباقها مع الزمن لاستعادة ما يمكن إنقاذه من الآثار المنهوبة. تقول عبد اللطيف: “كل قطعة تُستعاد ليست مجرد أثر تاريخي، بل جزء من هوية شعب بأكمله”. وبينما يواصل تمثال تهارقا وقفته الصامتة وسط الخراب، يذكّر السودانيين والعالم بأن الحضارات العريقة قد تُنهكها الحروب، لكنها لا تُهزم ما دام هناك من يحرس ذاكرتها.

whatsapp
أخبار ذات صلة