الإعيسر في بريطانيا.. هل يستطيع إحداث اختراق ناجح في ملف الآثار السودانية المنهوبة؟

48

متابعات – تاق برس- أعادت الزيارة التي قام بها وزير الثقافة والإعلام والسياحة السوداني، خالد الإعيسر، يوم الخميس، إلى المتحف البريطاني في لندن، فتح ملف استعادة الآثار السودانية المنهوبة من قلب المتاحف الغربية.

 

الزيارة، التي وُصفت بالغموض أول الأمر، كشفت لاحقاً عن تحركات دبلوماسية ممنهجة تسعى الخرطوم من خلالها لوضع حجر الأساس لمسار طويل ومعقد يتعلق بذاكرة الشعب السوداني وحقه في تاريخه.

 

ولطالما كان السودان، بثرائه الحضاري الممتد من ممالك كوش ونبتة ومروي إلى حضارات وادي النيل اللاحقة، مصدراً رئيسياً للقطع الأثرية التي وجدت طريقها إلى متاحف أوروبا وأمريكا خلال الحقبة الاستعمارية.

 

ويحتفظ المتحف البريطاني اليوم بمجموعة كبيرة من القطع السودانية، بينها تماثيل ملكية وأوانٍ حجرية وقطع جنائزية من مواقع البجراوية ومروي، ما يجعله واحداً من أهم الحواضن العالمية للتراث السوداني خارج البلاد.

 

ورغم المطالبات المتكررة، لم تتمكن الحكومات السودانية السابقة من تحقيق اختراق ملموس في ملف الاستعادة، إذ غالباً ما تصطدم تلك الجهود بجدل قانوني وسياسي معقد يتعلق بـ”شرعية” اقتناء هذه القطع، وبالقيود التي تفرضها بعض القوانين البريطانية التي تمنع المتحف من التفريط في مقتنياته.

 

عقد الإعيسر اجتماعات مطولة مع مسؤولي المتحف، وفي مقدمتهم جولي أندرسون، أمينة قسم السودان، وركزت على إعداد قائمة مفصلة بالقطع الأثرية المنهوبة كخطوة أولية، وهو ما يشير إلى أن السودان يتجه نحو تأطير المطالب بشكل رسمي يتيح لاحقاً التحرك عبر القنوات الدبلوماسية والقانونية.

 

إلى جانب ملف الاستعادة، تطرقت المحادثات إلى برامج دعم صيانة المتاحف السودانية التي تضررت جراء الحرب الأخيرة، في مسعى لإعادة بناء البنية التحتية الثقافية التي تأثرت بشكل كبير.

كما تم الاتفاق على إطلاق نسخة جديدة من مشروع “خيمة السلام السياحية” في الخرطوم، وصيانة معالم أثرية في سواكن، ما يعكس أن الزيارة لم تكن محصورة فقط في ملف الاستعادة، بل جاءت أيضاً في إطار شراكة تنموية ثقافية أوسع.

 

الزيارة تأتي في وقت تتصاعد فيه الضغوط العالمية على المتاحف الغربية لإعادة ما بحوزتها من آثار منهوبة. فقد شهدت السنوات الأخيرة خطوات بارزة، مثل إعادة ألمانيا للقطع البرونزية البنينية إلى نيجيريا، وتنامي الحملات الإفريقية والعالمية للمطالبة بالعدالة التاريخية.

 

وفي هذا السياق، يسعى السودان إلى الانضمام إلى الموجة العالمية التي تعيد تعريف علاقة المستعمر السابق بموروث الشعوب. لكن التحديات تبقى كبيرة، فالمتحف البريطاني يواجه أزمة داخلية تتعلق بفضائح فقدان مئات القطع من مقتنياته، ما قد يجعله أكثر تحفظاً في الاستجابة لمطالب الدول.

 

حتى الآن، لم يُعلن عن تسلّم أي قطعة أثرية سودانية بشكل فعلي، ما يعني أن الحديث لا يزال في طور المسار الدبلوماسي التمهيدي. غير أن مجرد طرح الملف بشكل رسمي، وإعداد قائمة بالقطع المنهوبة، يمثل اختراقاً معنوياً مهماً في ظل سنوات طويلة من الجمود.

 

وبينما يرى مراقبون أن استعادة الآثار المنهوبة تتطلب معركة قانونية طويلة الأمد، يؤكد آخرون أن الأهمية تكمن في إعادة الاعتبار للذاكرة السودانية، وتعزيز ارتباط الأجيال الجديدة بتراثها الذي ظل موزعاً بين عواصم العالم.

 

ويرى مراقبون أن زيارة الإعيسر للمتحف البريطاني لم تكن مجرد جولة بروتوكولية، بل بدت كخطوة أولى في مسار تاريخي يسعى السودان من خلاله إلى استرداد حقه في تاريخه وهويته. فبينما تتوزع الآثار السودانية على قاعات لندن وباريس وبرلين، تبقى الخرطوم مطالبة بالاستمرار في هذه الدبلوماسية الثقافية، مستفيدة من المناخ العالمي المتغير الذي يفرض على المتاحف الغربية إعادة النظر في إرثها الاستعماري.

whatsapp
أخبار ذات صلة