فصل المقال في ما بين الجنجويد والمهدية من اتصال

11

فصل المقال في ما بين الجنجويد والمهدية من اتصال

 

كتب – خالد هاشم خلف الله

 

kld.hashim@gmail.com

 

الربط بين غزاة الجنجويد والمهدية ليس من فعل الكيزان كما ذهبت بذلك الأستاذة رشا عوض في إحدى مقالاتها، بل هو ربط فرضته طبائع غزاة الجنجويد وجرائمهم وتطابقها قذَةً حذو القذَة مع ممارسات أسلافهم جنجويد المهدية.

 

بل على العكس، إن الكيزان دائمًا ما ربطوا ما بين حكمهم وبين حكم المهدية، والكيزان هم من ذهبوا إلى أم دبيكرات وشيدوا ضريحًا على قبر السفاح ود تورشين التعايشي، وذهب البشير لافتتاحه في احتفال كبير في مطلع سنوات حكم الإنقاذ.

 

والكيزان هم من أسسوا جامعة باسم الإمام المهدي في كوستي وربك، على الرغم من أن المهدِي لم يكن عالمًا ولا فقيهًا وإنما محض دجال. ذبحت جيوشه العلماء والفقهاء في الخرطوم حين غزتها جيوشه الهمجية المجرمة، واحتلتها وقتلت أهلها واغتصبت نساءها. والمَهْدِي نفسه قتل أبوبكر الجاركوك الذي كان أحدَ أثرياء الخرطوم وقتذاك وسكن في قصره وتزوج إحدى بناته، وهي رواية حكاها لي أحد أحفاد الجاركوك نفسه.

 

الربط بين غزاة الجنجويد والمهدية متواتر من الجنجويد أنفسهم، وآخر ربط بين الجنجويد والمهدية جاء من الجنجويدي فضل الله برمة، رئيس حزب الأمة ورئيس المجلس التأسيسي لحكومة الجنجويد في نيالا، وأول من بذر بذرة مليشيا الجنجويد باسم مليشيات المراحيل إبان حكم الصادق المهدى في النصف الثاني من الثمانينيات الماضية، وذلك في مقابلة أجريت قبل أيام وبُثت على منصة يوتيوب أجراها خالد محي الدين أحد الوجوه الإعلامية لغزاة الجنجويد.

 

وفي الواقع أن الربط بين غزاة الجنجويد ومهدية ود الفحل والتعايشي تورشين ابتدأه غزاة الجنجويد بعد الأيام الأولى التي أعقبت سقوط البشير. أذكر أن أحد حسابات الجنجويد على فيسبوك نشر صورة لجنود منهم داخل القصر الجمهوري وكتب أسفلها تعليقًا مفاده أن أحفاد التعايشي عادوا لقصر الحكم بعد أكثر من مائة عام على خروج أسلافهم منه

 

أما الرابط الأكبر بين المهدية فقد كان في الممارسات التي صاحبت غزو الأحفاد وتطابقت مع غزو الأجداد، وكلها ممارسات خرجت من بصمة وراثية واحدة: مذابح الخرطوم، اغتصاب السيدات والفتيات، نهب البيوت والأموال والذهب، مهاجمة القرى وقتل أهلها وإبادتهم. ما فعله غزاة الجنجويد اليوم في قرى ود النورة والتكينة فعله أسلافهم جنجويد المهدية في المتمة وقرى وبلدات كردفان مثل ما حدث في التيارة، وهي بلدة كانت قرب أم روابة الحالية؛ أباد جنجويد المهدية أهلها عن بكرة أبيهم ففضلت نساؤها الانتحار بالسقوط على شفرات السيوف الحادة بدلًا من أن يهتك جنجويد المهدية شرفهن وكرامتهن.

 

وقد فعلت نساء السريحة وفتياتها في الجزيرة نفس هذا الفعل حين اجتاح غزاة الجنجويد الحاليون قريتهم الوادعة، وفي بعض قرى شرق الجزيرة في شهري أكتوبر ونوفمبر من العام الماضي، وهي حوادث وثقتها منظمات حقوقية مثل شبكة صيحة لنساء القرن الإفريقي وشبكة أطباء السودان وتقارير إعلامية.

 

ثم إن جرائم جنجويد المهدية التي يقول البعض إنها مجرد افتراءات صاغتها تقارير مخابرات ونجت باشا لتبرير غزو السودان إنما هي حقائق وثّقها التاريخ الشفهي للمجتمعات التي طالها عسف وظلم جنجويد المهدية، خاصة في ظل حكم السفاح التعايشي ود تورشين.

 

كما أن جرائم المهدية لم تقتصر فقط على حقبة حكمهم بل امتدت حتى التاريخ الحديث، حين استدعى عبد الرحمن المهدي وابنه الصديق والد الصادق مليشياتهم من دارفور وكردفان ونفذوا مذبحة نوفمبر 1954 وقتلوا أهالي الخرطوم وبعض ضباط وجنود شرطتها.

 

وقد سرد الصحفي الراحل عبد الرحمن مختار تفاصيل تلك المذبحة الجنجويدية المهدوية في كتابه «خريف الفرح»، ولولا أنه قفز من على سور أحد المنازل لكان قد أصابه رمح أحد جنجويد المهدية كما ذكر في سياق سرده لتفاصيل تلك المذبحة المروعة التي أحيت في مخيلة السناريين المذابح التي ارتكبتها بحقهم جحافل جنجويد مهدية ود الفحل والتعايشي تورشين.

 

الهدف النهائي للحرب الحالية لا يجب أن يكون فقط دحر غزاة الجنجويد، وإنما قطع الصلة السياسية والاجتماعية بمجتمعاتهم المفطورة على الإجرام وارتكاب الفظائع.

 

يجب أن تنتهي الحرب بتحرير الشعب السناري (شعب وسط وشمال وشرق السودان الحالي) واستعادة دولته بحدودها التاريخية المعلومة وقطع الصلة نهائيًا بالجنجويد سياسيًا واجتماعيًا. أما المهدية فيجب كتابة تاريخها الحقيقي كحقبة سوداء مظلمة دموية في تاريخ الشعب السناري.

whatsapp
أخبار ذات صلة