سابقة تاريخية.. المؤتمر الوطني يعتذر للشعب السوداني والشارع يطالب باسترجاع الأموال المنهوبة ورد الحقوق

189

تجارب الأحزاب الدولية تشير إلى أن الاعتراف بالخطأ وحده لا يكفي، بل يتطلب تبني سياسات شفافة، إصلاحات داخلية، وتقديم تعويضات أو محاسبة المسؤولين. المؤتمر الوطني في السودان يواجه اختباراً مماثلاً، حيث سيكون من المهم أن يترجم الاعتذار إلى خطوات عملية تقطع الطريق على الشكوك وتعيد الثقة مع المجتمع المدني والجمهور العام.

 

تاق برس- تقرير خاص

 

 

في خطوة غير مسبوقة منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ في 2019م، قدّم النعمان عبدالحليم، القيادي بالحركة الإسلامية والأمين السياسي للمؤتمر الوطني، اعتذاراً رسمياً للشعب السوداني عما وصفه بـ”الأخطاء التي ارتُكبت خلال سنوات حكم المؤتمر الوطني”.

 

وتأتي هذه الخطوة وسط جدل واسع حول جدية الاعتذار، وتزامنها مع انقسامات داخلية عميقة في المؤتمر الوطني، مما يفتح نقاشاً حول مستقبل المؤتمر ودوره في المشهد السياسي السوداني.

 

 

 

 

خطوة تاريخية لإعادة الثقة

 

فخلال مقابلة حصرية مع قناة الجزيرة مباشر، شدّد عبدالحليم على أنّ الاعتراف بالهفوات يمثل خطوة ضرورية لإعادة بناء الثقة بين المؤتمر الوطني والمجتمع. وأضاف أن مراجعة التجربة السياسية السابقة بروح المسؤولية الوطنية تمثل شرطاً أساسياً لمشاركة المؤتمر في الحياة السياسية المستقبلية.

 

 

 

 

وقال عبدالحليم: “نحن بحاجة لمواجهة الماضي بشجاعة، والاعتراف بالأخطاء كخطوة أولى نحو إصلاح شامل، ليس مجرد كلمات على الشاشة، بل بداية لمسار طويل يتطلب الشفافية والمحاسبة”.

 

وأكد أن الهدف من الاعتذار هو “تمهيد الطريق لتصحيح السياسات السابقة وإعادة المؤتمر الوطني إلى المجتمع بصورة أكثر مصداقية”.

 

 

الشارع يرد: مطالب بإرجاع الأموال ومحاسبة المسؤولين

 

أثار الاعتذار موجة واسعة من ردود الفعل، تراوحت بين الترحيب والتشكيك. رحب بعض المراقبين بالخطوة، واعتبروا أنها إشارة إلى وعي سياسي قد يمهد لإصلاحات داخلية.

 

في المقابل، أكد ناشطون على مواقع التواصل أن “الكلمات لا تمحو الكوارث ولا تغسل الأيدي الملطخة بالفساد والدماء. وإذا كانوا صادقين، فعليهم مواجهة العدالة واسترجاع الأموال المنهوبة.

 

وأضافوا أن الشعب السوداني أوعى من أن يُلدغ من جحر الكيزان مرتين.

 

وأكد الناشطون أن الاعتذار وحده لا يكفي، وأن الخطوة الحقيقية ستكون بإرجاع الأموال المنهوبة ومحاسبة المسؤولين أمام القضاء.

 

وقال محمد الأمين في تدوينة على فيسبوك: “الاعتذار جيد، لكن يجب أن نستعيد أموالنا المنهوبة، ونعرف من المسؤول عن فساد السنوات الماضية”.

 

وقالت أسماء الطيب، ناشطة في المجتمع المدني: “الشعب بحاجة لأفعال أكثر من كلمات. الاعتراف خطوة أولى، لكن الاسترجاع والمحاسبة هما الفيصل”.

 

 

انقسامات طافية: تيار نيوليبرالي جديد يتشكل داخل المؤتمر الوطني

 

تزامن اعتذار النعمان مع معلومات عن انقسامات داخل المؤتمر الوطني، حيث كشف الصحفي بشير يعقوب عن وجود توجه جديد يطلق عليه “المؤتمر الوطني النيوليبرالي”.

 

ويرى أن التيار يسعى لإعادة صياغة المؤتمر بشكل أكثر انفتاحاً سياسياً واقتصادياً، بما يتوافق مع المتغيرات الإقليمية والدولية، ويهدف إلى تقديم صورة جديدة للمؤتمر الوطني في الساحة السياسية.

 

وأوضح يعقوب أن الانقسامات قد تتحول إلى صراع تنظيمي معلن خلال الفترة المقبلة، وسط محاولات الوساطة بين التيارين القديم والجديد، مؤكداً أن الديناميكيات الحالية تعكس تعقيدات المشهد السياسي بعد سنوات من تراجع النفوذ وصعوبة إعادة بناء الثقة الشعبية.

 

 

قيادات المؤتمر: شكوك حول نوايا الاعتذار

القيادي بالمؤتمر الوطني هيثم محمود وصف اعتذار النعمان عبدالحليم بأنه “محاولة للظهور الإعلامي”.

مضيفاً أن القرار يمثل “شلة محددة داخل المؤتمر الوطني” بقيادة إبراهيم محمود، والمعروفة باسم شلة “الشفشافة” ولا يعكس الرأي الجماعي للأعضاء.

 

وأضاف: “الاعتذار الحقيقي ينبغي أن يكون تجاه عضوية المؤتمر نفسها، وليس الشعب فحسب. هذه الشلة تحاول إعادة تموضع نفوذها داخل المؤتمر، وقرار الاعتذار للشعب لا يعنينا، بل هو جزء من محاولات إعادة ترتيب الوضع الداخلي لصالحهم”.

 

وأشار محمود إلى أن ما يحدث داخل المؤتمر قد يُستغل لضمان استمرار النفوذ القديم داخل هيكل المؤتمر، وهو ما يثير الشكوك حول جدية الاعتذار وهدفه الفعلي من الناحية السياسية.

 

 

 

رمزية الاعتذار مقابل الخطوات العملية

 

ويرى المحللون السياسيون أن اعتذار المؤتمر الوطني خطوة رمزية مهمة، لكنها لا تعكس بالضرورة تغييراً جذرياً في سلوك المؤتمر. وتعتبر القدرة على تحويل الاعتذار إلى خطوات فعلية، مثل استرجاع الأموال المنهوبة ومحاسبة المسؤولين، هي ما سيحدد مصداقيته ومستقبله السياسي.

 

وأشار بعض الخبراء إلى أن الاعتراف بالأخطاء يُعد ممارسة شائعة لدى أحزاب دولية واجهت أزمات مماثلة، مثل حزب العدالة والتنمية في تركيا بعد فضائح فساد، أو الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة بعد سياسات مثيرة للجدل، حيث كانت الخطوة الرمزية مدخلاً لإعادة بناء الثقة مع الجمهور.

 

 

دروس عالمية: كيف تتعامل الأحزاب مع أخطائها؟

 

تجارب الأحزاب الدولية تشير إلى أن الاعتراف بالخطأ وحده لا يكفي، بل يتطلب تبني سياسات شفافة، إصلاحات داخلية، وتقديم تعويضات أو محاسبة المسؤولين. المؤتمر الوطني في السودان يواجه اختباراً مماثلاً، حيث سيكون من المهم أن يترجم الاعتذار إلى خطوات عملية تقطع الطريق على الشكوك وتعيد الثقة مع المجتمع المدني والجمهور العام.

 

 

الاعتذار التاريخي للمؤتمر الوطني يمثل خطوة غير مسبوقة في السودان، لكنه جاء وسط جدل واسع وانقسامات داخلية عميقة. مدى تأثير هذا الاعتذار على المشهد السياسي يعتمد على الإجراءات العملية التي ستتبع التصريحات الإعلامية، وعلى قدرة المؤتمر على مواجهة ماضيه بحسم، وإرجاع الأموال المنهوبة، ومحاسبة المسؤولين، بما يفتح الباب أمام إعادة ترتيب أوراق السياسة السودانية بطريقة أكثر شفافية ومصداقية.

whatsapp
أخبار ذات صلة