مكاوي الملك يكتب.. انفجار النهاية: سقوط مشروع الإمارات في السودان وانكشاف لعبة الغرب
السودان يواجه اليوم حرب وجود بين الجيش الوطني الذي يمثل صمام الأمان للسيادة، ومليشيات مدعومة إماراتياً وغربياً تهدف للسيطرة على الموارد الوطنية.
كتب- مكاوي الملك
الإمارات، عبر دعمها المالي والعسكري للمليشيات، تحاول فرض نفوذ على البحر الأحمر والذهب والزراعة، بينما القوى الغربية تسعى لإطالة الحرب وإعادة تدوير أحزاب فاشلة لخدمة أجندتها.
في مواجهة هذا المشروع الخارجي، فتح السودان قنوات مع روسيا والصين وتركيا وباكستان لحماية قراره الوطني، مع دعم بعض الإسلاميين للجيش كخيار وطني.
الخلاصة أن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا بوقف تمويل المليشيات واحترام إرادة الشعب، فيما الشعب السوداني يصر على دولة ذات سيادة تبنى على دماء الشهداء وصمود الجيش.
في العام الثالث من الحرب..يقف السودان على حافة معركة لا تشبه سابقاتها؛ معركة ليست فقط بين جيش ومليشيا..بل بين مشروع وطني يسعى لحماية السيادة..ومشروع خارجي يسعى لتفكيك الدولة وتحويلها إلى ساحة نفوذ واقتصاد موازٍ تديره عواصم النفط والقرار الغربي.. في المشهد السوداني المعقد تتقاطع خيوط الحرب والسياسة والمال في شبكة واحدة..لا هدف لها سوى إعادة صياغة السودان بما يخدم مشاريع الخارج..فالمعركة الدائرة اليوم ليست فقط بين الجيش والمليشيا..بل بين من يريد دولة ذات سيادة..ومن يريد وطناً بلا ملامح ولا هوية “وطن مليشيات”
منذ اندلاع الحرب توحد اغلب الشعب السوداني بمختلف انتماءاته خلف جيشه الوطني..إدراكاً منه أن المعركة ليست سياسية ولا حزبية..بل معركة بقاء..فالمليشيا التي ارتكبت أفظع الجرائم في الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة ليست سوى امتدادٍ لمشروع خارجي هدفه السيطرة على الموارد السودانية: الذهب..الزراعة..اليورانيوم..والموانئ البحرية
الإمارات..التي روجت لشعار “محاربة الإسلاميين” هي ذاتها كانت حليفة الاسلاميين في السابق لتحقيق مصالحها وهي التي موّلت واستغلت نفس المليشيا التي صنعها نظام البشير لقمع دارفور في الماضي..أعادت إنتاجها وسلّحتها لتكون أداتها الجديدة في السيطرة بمليارات الدولارات ب احدث الاسلحة والمسيرات الاستراتيجية والمرتزقة ..لا لإنقاذ السودان..بل لضمان موقع دائم على البحر الأحمر..وفتح طريقها إلى ثرواته تحت غطاء “محاربة التطرف”تمارس أبشع أشكال التوسع الاقتصادي والعسكري..في لعبة مكشوفة عنوانها: “الهيمنة على البحر الأحمر والموارد”
الرباعية الأمريكية: مشروع سلام أم إعادة استعمار؟
واشنطن التي فشلت في “جدة” و”المنامة” و”جنيف”ونجحت في اطالة امد الحرب ..تحاول اليوم عبر ما يُسمى بـ”الرباعية” (أمريكا – السعودية – مصر – الإمارات) فرض خارطة سلام مشبوهة..ظاهرها وقف الحرب..وباطنها إقصاء الإسلاميين من الجيش وإعادة تدوير مجموعة “حمدوك – صمود” الفاشلة لتولي الحكم.. قحت التي فشلت وخانت الوطن مع المنظمات والامارات ثم هربت إلى الخارج..!
لكن السؤال: هل السودان يحتاج إلى “إعادة ترتيب سياسية” أم إلى “تحرير حقيقي من الوصاية”؟
البرهان أعلنها صراحة في الدوحة: “لا لفرض الأجندات الخارجية”فالمعركة بالنسبة له ليست معركة سلطة..بل معركة كرامة وطنية ضد مشاريع تُكتب في واشنطن وتُنفّذ بأموال أبوظبي
الإسلاميون بين لعنة الماضي وفرصة التوبة
نعم الإسلاميون ارتكبوا أخطاء قاتلة في الماضي من فساد وصناعة هذه المليشيا إلى تفكيك مؤسسات الدولة “اضعاف الجيش”..لكنهم اليوم يحاولون التكفير بالفعل لا بالقول ..وأدركوا باكراً حجم المشروع الاستعماري الجديد.. فاختاروا دعم الجيش كخيار وطني..لا أيديولوجي..ودفعوا ثمن ذلك من دمائهم ..دعموا الجيش ميدانياً..وفتحوا خطوط إمداد عبر حلفائهم في تركيا وإيران ..بل غامروا بحياتهم ومصالحهم في مواجهة مشروع إماراتي–غربي يريد اقتلاعهم نهائياً والهدف اضعاف الجيش واعادة قحت.. اليوم يواجهون حرباً مزدوجة: من الميدان ومن الإعلام الغربي الذي يصورهم كعقبة أمام السلام..بينما الحقيقة أن الغرب نفسه هو من يطيل أمد الحرب عبر دعمه لوكلائه
والاسلاميين مهما اختلفنا معهم هم جزء من هذا الشعب..لا غُرباء عنه..بدأ كثير من السودانيين ينظرون إليهم اليوم كـ”سندٍ تكتيكي” في معركة الكرامة..لا كخصمٍ أيديولوجي..لأن الجميع أدرك أن العدو الحقيقي هو من موّل ودعم المليشيا التي قتلت ونهبت وهجّرت الملايين
قحت – صمود: خيانة الثورة تحت شعار المدنية
مجموعة حمدوك التي كانت يوماً تمثل حلم الشباب..سقطت سياسياً وأخلاقياً..تعاونت مع قائد المليشيا وشرعنت وجوده بعد قتل الثوار ..ثم هربت من البلاد عندما اشتعلت الحرب لتساوي بين الجيش والمليشيا في الخارج..وتخدم خطاب المنظمات الغربية الساعية لفرض “حياد مزيّف” يشرعن الاحتلال الناعم..هذه المجموعة لا تملك اليوم وزناً شعبياً..بل تحولت إلى واجهة مدنية لمشروع غربي–إماراتي يريد العودة عبرها إلى الحكم دون صناديق ولا سيادة
مصر والسعودية والإمارات: تحالفٌ متشقق
داخل الرباعية نفسها..الانقسام واضح، فمصر والسعودية تدعمان الجيش باعتباره صمام أمان لأمنهما القومي في النيل البحر الأحمر..بينما تمضي الإمارات في تمويل المليشيا لأنها استثمرت فيها سياسياً واقتصادياً لعقدٍ كامل
لكن القاهرة اليوم تواجه معضلة أكبر: الإمارات لا تكتفي بتمويل الفوضى في السودان..بل تحاول التمدد في البحر الأحمر عبر إريتريا وأرض الصومال — وهو ما تعتبره مصر تهديداً مباشراً لأمنها المائي والبحري..في ظل خلافها المستمر مع إثيوبيا بشأن سد النهضة
القاهرة تراقب تحركات شريكها أبوظبي بقلق..خصوصاً بعد أنباء عن انتشار قوات مصرية في الصومال وشراكات دفاعية بين مصر واريتريا ..ورسائل غير مباشرة بأن زمن الصمت على المغامرات الإماراتية في القرن الإفريقي قد انتهى.
الشرق الجديد: تحالف الضرورة لا الرفاه
أمام هذا الضغط الغربي–الإماراتي..فتحت الحكومة السودانية قنوات واسعة مع الشرق: روسيا، الصين.. تركيا.. وباكستان. ليس حباً في المحاور..بل لحماية القرار الوطني من الابتزاز.
روسيا.. رغم بطئها تراهن على الميناء في البحر الأحمر وتُبقي الجيش تحت الضغط حتى تضمن موطئ قدمها.. في المقابل.. تسعى الصين وتركيا وباكستان لتقوية الجيش ومشروعات إعادة الإعمار لضمان شريك مستقر.
إنها لعبة توازنات دقيقة: السودان يحاول كسب الوقت.. وتحييد الغرب وتثبيت الجيش كحجر الزاوية في الدولة قبل أي تسوية.
الخلاصة: لا سلام على حساب السيادة
الحديث عن “كسر قبضة الإسلاميين” مجرد غطاء لإخضاع الجيش وتجريد السودان من آخر مؤسسات الدولة الوطنية.. الذي يريد سلاماً حقيقياً. ليبدأ بوقف تمويل المليشيات..لا بإقصاء من يقاتلها.
والذي يريد انتقالاً مدنياً عليه أولاً أن يحترم إرادة الشعب لا أن يستوردها من واشنطن أو أبوظبي.
السودان اليوم أمام مفترق تاريخي: إما دولة ذات سيادة تُبنى على دماء الشهداء وصمود جيشها، وإما وطن يُدار بالريموت من الخارج بأموال النفط والذهب
لكن هذا الشعب الذي واجه الجوع والمرض والرصاص والخذلان..لن يقبل بسلامٍ يُكتب في عواصم أخرى ولا بوصايةٍ جديدة ترتدي ثوب “الانتقال المدني”
ولن يطول الزمن حتى يُكتب في الخرطوم فصل جديد من التاريخ — فصل يُنهي زمن الوصاية إلى الأبد..ويبدأ زمن الدولة الحرة التي لا تبيع قرارها مهما كان الثمن بإذن الله.
اللهم انصر اهل الفاشر يارب العالمين
