(30 يونيو) المصرية والسودانية. هل من تشابه؟- قطب العربي
في توقيت متزامن بدأت دعوات النزول للتظاهر يوم 30 يونيو في كل من مصر والسودان، وحين حل اليوم خرج أبناء جنوب الوادي إلى الشوارع، فيما لم نر إلا حراكا إلكترونيا لأبناء الشمال، في الجنوب كانت المظاهرات للتأكيد على استكمال مطالب الثورة التي لم تتحقق رغم مرور أكثر من عام على نجاحها، ورغم أن الشرطة فرقت بعض التجمعات بقنابل الغاز إلا أن غالبية التظاهرات مرت بسلام، حيث إن دعوات التظاهر صدرت بالأساس من قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكم الحالي، وكان مظهر تفريق بعض التظاهرات بقنابل الغاز غريبا إذ إن المظاهرات لم تطالب بإسقاط النظام، ولم تكن داعمة للنظام السابق (نظام البشير)، أما في مصر فقد منع القمع الأمني الشديد نزول أية مظاهرات.
بين الأرض والفضاء الالكتروني
في مظاهرات السودان كانت المطالب متنوعة، بعضها لاستكمال تحقيق وعود الثورة، وبعضها ضد الغلاء الفاحش (الدولار ارتفع من 70 جنيها إلى 140 جنيها خلال العهد الجديد)، وبعضها يطالب بإعادة هيكلة مظلة قوى الحرية والتغيير التي غادرتها قوى سياسية كبرى مثل حزب الأمة واستأثر بها حاليا الحزب الشيوعي وبقايا البعثيين والناصريين، ويبدو أن هذه المظاهرات لن تكون الأخيرة خاصة بعد أن ثبت السودانيون هذا الحق، وقاوموا كل محاولات العسكر بنزعه من أيديهم بدعاوى الحرص على المصلحة الوطنية والخوف من اندساس المخربين .. إلخ، وهي المبررات ذاتها التي تستخدمها كل النظم العسكرية والقمعية لقمع حرية التعبير.
أما في مظاهرات مصر المقموعة (على الأرض) والحاشدة في الفضاء الإلكتروني فقد جاءت تأكيدا لرفض النظام الحالي، وقد ضمت على غير تنسيق رسمي القوى الإسلامية، والقوى المدنية الأخرى التي طالها عسف النظام الذي أيدته في البداية ظنا منها أنه سيلمها السلطة بعد خلع الإخوان، فإذ به (أي نظام السيسي) ينقلب على حلفائه وأصدقائه الذين ساندوه في ساعة العسرة، لأنه ببساطة لا يحب أن يرى من يمنون عليه بفضل، وقد قالها مرات من قبل إنه ليس لديه فواتير لأحد ليسددها، لقد منحهم مكافأة مشاركتهم في جريمة الانقلاب بعض المناصب الوزارية والحكومية الأخرى وترك لهم بعض المؤسسات القومية مثل: المجلس الأعلى للصحافة، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للثقافة، وغيرها خلال شهر العسل (في عهد عدلي منصور)، ثم آن لهم أن يختفوا من المشهد الذي لم يعد يتسع لغير العسكريين وبعض صنائعهم الشكلية.
رجع الصدى:
30 يونيو السودانية كانت في نسخة العام الماضي موجة حاسمة لفرض غالبية مطالب الحراك على المجلس العسكري، وكانت هذا العام تأكيدا على ما تبقى من مطالب، وإن تشوهت الرؤية، أما 30 يونيو المصرية في نسختها الأولى في 2013 فقد كانت التمهيد النيراني لانقلاب 3 يوليو، وكانت محاولات النزول للتظاهر هذا العام هي مسعى لتصحيح الخطأ بالنسبة لمن شاركوا في الموجة الأولى، وفي نظر الكثيرين فإن 30 يونيو السودانية هي رجع الصدى ل 30 يونيو المصرية، أو تقليد لها، إذ إن القوى التي تصدرت المشهد في الحالتين تنتمي للتيار العلماني، كما أن المظاهرات في الحالتين كانت موجهة ضد التيار الإسلامي، وهناك ارتباط تاريخي في التطورات السياسية بين شمال الوادي وجنوبه، فحين قامت ثورة 1919 في مصر تبعتها ثورة 1924 في السودان، وحين حصل الاستقلال في مصر عام 1954 تبعه الاستقلال في السودان عام 1956، كما أن الداعمين الإقليميين ل 30 يونيو السودانية والمصرية هم أنفسهم (حلف الثورات المضادة بقيادة الإمارات).
جاء 30 يونيو 2020 ليبدد وعودا كثيرا وعدها رأس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بأن مصر ستكون في وضع جديد تماما في هذا التاريخ، وراح رجاله وأذرعه الإعلامية والفنية يبشرون بهذا الوضع الجديد الذي ستكون فيه مصر جنة الله في الأرض، ثم تمخض الجبل فولد عدة طرق وكباري تقوم بها عادة أجهزة الحكم المحلي في كل الدول، بينما تصاعد حجم الديون الخارجية ليرتفع فوق 125 مليار دولار، ولترتفع الديون الداخلية فوق 4 تريليونات جنيه، ولتزيد نسبة المصريين تحت خط الفقر أو الاقتراب منه إلى 60% وفقا لتقرير البنك الدولي، و لترتفع الأسعار بشكل جنوني وأحدثها أسعار الكهرباء، ولتضع السلطة يدها على وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ولتقمع كل صوت معارض أو مستقل، ولتقطع من حدود الوطن جزرا وحقولا بحرية تمنحها لدول أخرى رغم أنف الشعب المصري ورغم أنف أحكام قضائية نهائية، ولتفرط السلطة في مياه النيل وحصص مصر التاريخية في المياه بعد أن وقع رأس هذه السلطة على إعلان المبادئ في مارس 2015 والذي منح بمقتضاه الشرعية لبناء السد الإثيوبي، ولجمع التمويلات الدولية اللازمة له دون أن يضع أي ضمانات لحقوق مصر، وكان هذا التوقيع ثمنا لمكسب شخصي بإعادة مقعده في الاتحاد الأفريقي.
سبع عجاف:
وهكذا جاء 30 يونيو 2020 لينكأ جراح سبع سنوات عجاف هي عمر الانقلاب العسكري على أول حكم مدني أنتجته ثورة 25 يناير 2011، وليذكر المصريين بما حققوه ولو جزئيا من حريات وكرامة وهيبة بين الأمم بعد تلك الثورة، وليذكرهم أنهم كانوا يعيشون تحت حكم مدني ورئيس مدني (أستاذ دكتور مهندس)، وأنهم كانوا قادرين على نقده دون أن يتعرضوا لأي أذى، وأنهم كانوا في طريقهم لتحسين اقتصادهم، وتحسين مستوى حياتهم، وليذكر الداعمين للانقلاب العسكري أنهم يدفعون الآن ثمن هذه الجريمة، فكفران النعمة يوجب حرمانها.
المصدر الجزيرة نت