بالمنطق .. صلاح الدين عووضه : باريس !!
باريـــــس !!
أو باغيز..
أو – اختصاراً – باغي ؛ هكذا علمنا أن ننطقها أستاذنا للفرنساوي في مرحلة الثانوي..
وهو كان مدرساً مرحاً…أنيقاً…شاطراً..
وهذا أحد أوجه علاقتي بباريس ؛ من بين أربعة وجوه…آخرها مؤتمر باريس الحالي..
والمخصص لدعم السودان ؛ استثمارياً..
ولنفرغ – أولاً – من الوجه الأول هذا ؛ من باب فضول القول…والحديث ذو شجون..
فللأسف لم يستمر معنا أستاذنا هذا طويلا..
فقد أعقبه آخر يتشبه بالفيلسوف الفرنسي فولتير شعراً ؛ فقط الشعر…ولا شيء آخر..
وليست هذه هي المشكلة ؛ وإنما المشكلة في منهج تدريسه..
فقد كان على عكس سلفه ؛ سمجاً…ثقيلاً…مملاً…يدفع الواحد منا إلى النعاس خلال حصصه..
فكرهته موضوعياً…وكرهني شخصياً..
وتبدى كرهه هذا في قمة عنفوانه عند حلول أوان أول امتحان قادم…مذ أتى لمدرستنا..
فكان أن منحني صفراً..
علماً بأنني كنت أحرز العلامة الكاملة – إلا قليلا – في هذه المادة من قبل أن يشرفنا..
فكرهته – هذه المرة – شخصياً ؛ وكرهت فولتير نفسه..
أما الوجه الثاني – والذي هو سابقٌ للأول هذا تاريخياً – فكان يتمثل في لقب باريس..
وهو لقبٌ أطلقته على زميلٍ لنا ؛ فالتصق به..
فبات حتى الأساتذة لا ينادونه باسمه الحقيقي…وإنما باللقب هذا ؛ طيب لماذا سميته هكذا؟..
لا أذكر السبب تحديداً ؛ ولكن هنالك عدة احتمالات..
أولها إنه كان يهوى صبيةً بحي التوفيقية ؛ أو الحي الباريسي كما كان يصفه لخاطر عينيها..
وثانيها إنه كان عاشقاً للقطة الفرنسية بارجيت باردو..
وثالثها إنه ما من سبب ؛ فقط أردت يوماً أن يكون اسمه باريس – على سبيل الدعابة – فكان..
وأعجبه اللقب ؛ سيما وأن اسمه الأصلي كان مطابقاً لشكله..
ومن حين إلى آخر يأتينا الصباح متهللاً بابتسامته التي تجعل وجهه صفين من الأسنان..
ثم يغمغم : باريس أمبارح كان في باريس…مع بارجيت باريس..
والوجه الثالث هو فيلسوف فرنسي آخر هو سارتر ؛ والذي اشتهر بوجوديته الإلحادية..
رغم إن أبو الوجودية ذاتها – وهو سورين – كان وجودياً مؤمناً..
فقد درسنا فلسفته في قاعة الفلسفة ؛ ولم تعجبني منها سوى محاولة تحييثه العدم كشعور..
أو كإحساس عدمي ؛ عند لحظة المفاضلة بين خيارين…أو أكثر..
ونأتي الآن للوجه الرابع والأخير – حتى الآن – وهو مؤتمر باريس الخاص بدعم السودان..
وفي هذا الشأن كتبت خاطرة أمس أقول فيها :
صباحكم خير..
ونترحم أولاً على الزميل الطيب مصطفى ؛ بغض النظر عن تباين وجهات نظرنا سياسياً..
فهو من أصدق من عملت معهم من الناشرين كلمةً..
ومن أكثرهم إنسانية عند التعامل مع منسوبي صحيفته ؛ وهذه شهادة حق نقولها في حقه..
لا طمعاً…لا ملقاً…لا رهبا ؛ وهو الآن بين يدي الله..
ثم اليوم يبدأ مؤتمر باريس لدعم بلادنا ؛ لا دعماً مادياً مباشراً – وعاجلاً – كما يظن البعض..
وإنما هو دعم آجل في شكل استثمارات اقتصادية..
ومن ثم نتمنى أن تكون حكومتنا قد استعدت له كما ينبغي ؛ لا كما في المرات السابقة..
حيث كانوا يشاركون بلا رؤية…ولا خطط…ولا أوراق عمل..
ثم ينتظرون أن تمطر عليهم سماوات هذه المؤتمرات ذهباً وفضة ؛ وعلى نحو عاجل..
نتمنى ؛ وحتى التمنيات هذه تعبنا منها…وفترنا..
ثم في اليوم نفسه جاءتنا الصور تترى ؛ صور سيلفي لأعضاء وفدنا الكثر إلى فرنسا..
وكلٌّ منهم تكاد ضحكته تماثل ضحكة زميلنا باريس..
فليضحكوا الآن…وليفرحوا…وليتفسحوا…وليهيصوا ؛ فما زال الوقت مبكراً للحكم عليهم..
أو ربما نحكم لهم إن خيبوا ظننا هذه المرة..
إن لم تكن النتيجة صفراً يحاكي ذاك الذي منحنيه فولتير ؛ مع فارق أن باغيز لا تكرهم..
إن كان صفراً عدمياً…وجودياً..
إن لم يكتفوا بالفرجة…والفسحة…والبهجة…والنثرية..
ثم يقول كلٌّ منهم بلسان الحال عندما يرجعون إلينا فرحين : كنا أمبارح في
باريس..
مع هبوية باريس !!.
بالمنطق
صلاح الدين عووضه
الحراك السياسي
18/5/2021