إعلام فرنسي.. روسيا تتطلع بطموح كبير لموقع السودان الاستراتيجي وموارده الطبيعية بعد زيارة حميدتي

236

وكالات- تاق برس- حميدتي، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان، عقب إلقاء خطاب خلال تجمع في قرية أبرق، غرب الخرطوم، في مع تصاعد وتيرة الحرب الروسية على أوكرانيا، يلتفت كثير من المحللين السياسيين إلى وضع العلاقات التي تربط موسكو بالسودان محاولين فك شفرة ما يحدث في الكواليس ولا سيما بعد زيارة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني على رأس وفد رفيع إلى موسكو عشية بدء الهجوم الروسي. ويفيد هؤلاء المحللون أن العقوبات الأمريكية على السودان قد دفعته إلى أحضان الكرملين كما أن موسكو تنشط لتعزيز علاقاتها مع الخرطوم للاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي ومواردها الطبيعية المتمثلة في مناجم الذهب.

 

يقول عدد من المحللين السياسيين في الشأن الأفريقي إن موسكو تعمل بقوة ونشاط على تعزيز علاقاتها مع السودان ذي الموقع الاستراتيجي في المنطقة الأفريقية، وعينها على موارده الطبيعية ومناجم الذهب فيه.

ويأتي التقارب بين البلدين، بينما تجد روسيا نفسها معزولة أكثر فأكثر بعد غزوها لأوكرانيا، وفي وقت خسرت الخرطوم إلى حد كبير الدعم الغربي الذي تجلى بعد إسقاط نظام عمر البشير في 2019، بسبب الانقلاب الذي قام به قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في تشرين الأول/أكتوبر.

 

وتندرج زيارة محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الذي يرأسه البرهان، على رأس وفد رفيع إلى موسكو عشية بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، في إطار هذا التقارب الذي يخدم، وفق خبراء، المصالح الروسية ويساهم في توسيع النفوذ الروسي في أفريقيا.

 

وامتدت زيارة دقلو المعروف “بحميدتي” على ثمانية أيام، وتعد أطول زيارة لمسؤول سوداني كبير إلى روسيا، في وقت يشهد السودان اضطرابات واحتجاجات مستمرة منذ أن أطاح البرهان بشركائه المدنيين من الحكم بعد الانقلاب الذي أثار إدانة دولية واسعة.

ويقول المحلل السياسي والاقتصادي السوداني خالد التيجاني إن تتبّع مسار العلاقة السودانية الروسية في العامين الأخيرين يشير الى أن موسكو تنتهج سياسة واضحة الأهداف في علاقتها بالخرطوم “لخدمة مصالحها في المنطقة بما يتجاوز السودان نفسه”.

 

وخلال حكم البشير، شهدت العلاقات العسكرية تطورا كبيرا بين الخرطوم وموسكو، حتى أصبحت روسيا مصدر السلاح الرئيسي للجيش السوداني، وتزامن ذلك مع اندلاع حرب في دارفور في غرب البلاد من جهة، وحرب أخرى بين السودان وجنوب السودان من جهة أخرى. علما أنه كان هناك حظر دولي على السلاح الى السودان. وحصل السودان على مقاتلات روسية من نوع ميغ وسوخوي.

وعقب وصوله إلى مطار الخرطوم الأسبوع الماضي، قال حميدتي للصحافيين “نحن مستعدون للتعاون مع أي دولة تريد بناء قاعدة على ساحلنا الذي يبلغ 730 كلم طالما تحقّق مصالحنا ولا تهدد أمننا القومي سواء كانت روسيا أو غيرها”.

 

في عام 2017، وقّع البشير اتفاقا مع روسيا على إنشاء قاعدة على البحر الأحمر تستضيف سفنا روسية بما في ذلك سفن تعمل بالوقود النووي، على أن يتمركز فيها 300 جندي.

لكن رئيس أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين أعلن في مقابلة متلفزة في حزيران/يونيو الماضي أن السودان بصدد مراجعة الاتفاق مع موسكو. وكانت الولايات المتحدة أعلنت آنذاك رفع السودان عن لائحة الدول الراعية للإرهاب. ونفى حميدتي أن يكون بحث في وضع القاعدة خلال زيارته إلى روسيا. وقال “كل الدول فيها قواعد، النيجر، وجيبوتي… وعندنا.. أهل شرق السودان لا يجدون مياه الشرب”.

 

ما وراء السودان

 

ويرى الباحث السوداني أحمد آدم حسين أن الاتفاق حول إقامة القاعدة على البحر الأحمر “لا بدّ أنه كان حاضرا في الذهن الروسي خلال الزيارة”. ويتابع “الروس يريدون الوصول إلى المياه الدافئة، لذا فالبحر الأحمر جزء أساسي من هذا الطموح”.

ويعتقد آدم أن روسيا تنظر من خلال علاقتها الحالية مع الخرطوم، إلى ما وراء السودان من دول الساحل الإفريقي، في ظل صراع محتدم بينها وبين فرنسا على النفوذ في هذه الدول. ويضيف أن “هناك تواجدا عسكريا روسيا في دولة أفريقيا الوسطى المجاورة للسودان من جهة الغرب.. لذلك، تتجه موسكو لخلق علاقات مع حميدتي والجهاز الذي يرأسه (قوات الدعم السريع) لما لهذا الجهاز من روابط جغرافية واجتماعية في السودان ودول جواره”.

 

 

ويرأس حميدتي قوات الدعم السريع التي أساسها البشير في عام 2013 من أفراد قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية والتي تنتشر في دول أخرى مثل تشاد والنيجر ومالي، وهي متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال نزاع دارفور. وعلى الرغم من كونه من رموز النظام السابق، وجد حميدتي موقعه في السلطة السودانية بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالبشير ودفعت بالجيش إلى تسلم السلطة. وقد تقاسم هذه السلطة لاحقا مع المدنيين الذين قادوا الانتفاضة الشعبية، ليعود فيحتكرها.

 

“أذرع فاغنر”

في عام 2014، وقّع وزير المعادن السوداني آنذاك أحمد الكاروري اتفاقا مع وزير البيئة والموارد الطبيعية الروسي حول التنقيب عن المعادن والنفط. ودخل سوق التنقيب السوداني عدد من الشركات الروسية بموجب هذا الاتفاق، وكان على رأس هذه الشركات شركة “سيبرين” التي وقعت اتفاقا عام 2015 بحضور البشير لإنتاج 46 طنا من الذهب خلال ستة أشهر، ولكنها فشلت في ذلك، ما دفع الحكومة إلى إنهاء امتيازها عام 2018.

 

في عام 2017، دخلت شركات للعمل في ولايات نهر النيل والبحر الأحمر والشمالية مثل شركة “غولد ميرور” المرتبطة برجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس مجموعة “فاغنر” الأمنية الروسية الخاصة. وندّدت كل من الولايات المتحدة وفرنسا مؤخرا بتورط “فاغنر” في الاضطرابات السياسية وقتل المدنيين في مالي وأفريقيا الوسطى.

 

ويؤكد التيجاني أن “حجم ومجالات الاستثمارات الروسية في السودان خصوصا في مجال تعدين الذهب يحيط بها الكثير من الغموض”. وأفاد تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية نهاية العام الماضي بأنه “تم توزيع أفراد تابعين لمجموعة فاغنر في مواقع التنقيب عن التعدين، قبل تقديم المساعدة السياسية والعسكرية لنظام” البشير. وأوضح المجلس أن هذا الانتشار جاء عقب اجتماع عام 2017 جمع بين البشير وبوتين في سوتشي. وأضاف أن مجموعة فاغنر ساعدت في تشكيل “مثلث نفوذ روسي يربط بين السودان وإفريقيا الوسطى وليبيا” لتعزيز “مصلحة موسكو الاستراتيجية في توسيع تواجدها في أفريقيا”.

 

في تموز/يوليو 2020، كانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على بريغوزين، متهمة إياه “باستغلال موارد السودان الطبيعية للثراء الشخصي”. ويرى حسين آدم أن “روسيا، عبر أذرع فاغنر، موجودة حتى في القوة الناعمة، من خلال وسائل الاعلام والعلاقات العامة ومحتوى مواقع التواصل الاجتماعي”. ويؤكد عنصر في جهاز أمني سوداني أن “خبراء من روسيا يعملون في أمن الاتصالات ويحللون مضمون مواقع التواصل لمؤسسات مرتبطة بالدولة”.

في المقابل، يقول دبلوماسي إن الغرب يفرض عقوبات، و”بهذه الطريقة، نقدم السودان على طبق من فضة للروس”، مشيرا إلى أن “الجنرالات الذين عايشوا الحصار في ظل حكم البشير، لن تؤثر عليهم تهديداتنا”.

 

المصدر : فرانس24/ أ ف ب

 

whatsapp
أخبار ذات صلة