اللفة الأخيرة- يسرية محمد الحسن- عين الله ترعاك صالح !!..

1٬165

جلس على المقعد الخالي بجواري في الحافلة المتجهة إلى سوق ليبيا طفل صغير السن نظيف الملبس المتواضع والجسد الهزيل وضع تحت قدميه (كيسا به اغراض)! لحظات والحافلة تبطئ بغية مزيدا من الركاب واذا بهاتف الصغير يرن ويقوم باخراجه من جيبه ويضعه على اذنه…. ااي يمه دااابي ركبت ماشي السوق!

سمح يمه بعد ابيع التلفون بضربلك اوريك جاب كم ..! سمح … سمح يمه ماتخافي مابودرن الا زي ماقلتي لي !! البلد دي لسه ماخابر فيها شيء !!! كدي اصل وابيع التلفون بوريك جاب كم وسويت شنوو !!. الله يسلمك مع السلامة !!! وضع الصغير التلفون في جيبه ووضع يديه الاثنتين على راسه كمن يحمل هموم الدنيا والآخرة حفزني الفضول لأعرف قصته بادرته بالسلام رد عليّ بكل الأدب وابتسامه طفوليه وضاءه ورائعة تزين وجهه البرئ، اسمك منو ..؟
اسمي صالح
جاي من ووين ياصالح
من الجزيرة
الان؟ ولا كنت بايت عند اهلا ليك هنا
لا هسي جيت وركبت ماشي سوق ليبيا
اهلك في ام بدة ؟
لا ماعندي اهل هنا
ماشي تسوي شنو في سوق ليبيا
ماشي اشتغل !!!
عقدت الدهشة لساني!
تشتغل شنو يا صالح
اشتغل اي حاجة
اي حاجه زي شنو؟
درداقة.. اي حاجة!! ماش ابيع تلفوني ده واعمل بالقروش راس مال اشتغل بيهو !
وطيب مش كان ممكن قبلك في الجزيرة تعمل كده ؟
الجزيرة مافيها شغل اولاد الحلة جت جو الخرطوم عشان الشغل !
(كان يحمل تلفونا اندرويد)!
وطيب ياصالح بعد تبيع التلفون وتسوي راس المال القلتو وبعد تشتغل بالقروش ماش ترجع تبيت وين؟
قالوا في سوق ليبيا بكان باجر عناقريب وجنبو حمامات باجر معاهم وابقي قاعد هناك!!
انت ياصالح نهائى ماعندك اهل هنا ؟
ماعندي !! التفت بجسمه كله ناحيتي قائلا بعد ان تفرس في وجهي مليا وابتسامته الطفوليه البريئة لم تبارح تقاطيع وجهه بعد . انتي استاذة؟ بتدرسي في مدارس البنات ولا الاولاد ؟
ابتسمت وقلت له لا انا ما مدرسة
انت عمرك كم ياصالح
عمري حداشر سنة !
في سنه كم ؟
لا انا خليت المدرسة عشان اربي مع امي اخواني الصغار !!
ماعندك اخوان كبار ؟
لا انا اكبر زول
ابوك وين ؟
ابوي مات في حادث كان شغال بناء وقع من السقالة ودوهو المستشفى قالوا كسر رقبتو !!
الكلام ده متين ليهو ستة اشهر !
امي بعد مرقت من الحبس اشتغلت تغسل الهدوم في البيوت
(صاح الكمساري يا خالة انتي مش قلتي نازله سجن ام درمان؟ واصلت حديثي بسرعة مع صالح بعد ان كتبت رقم تلفوني في وريقة صغيرة
شوف ياصالح سجل رقمي ده في تلفونك ووريني اول ماتصل السوق عملت شنوو
لكن التلفون ده داير ابيعه !!!
من اي زول استاذنه شيل تلفونو ودق لي
انتي اسمك منو ؟
انا اسمي فاطمه محمد الحسن (لم اكذب عليه فانه اسمي الحقيقي في اوراقي الثبوتية) !.
نزلت من الحافلة جوار سجن النساء فقد اعتدت ان امشي المسافة القصيرة بينه وحوش الاذاعه بارجلي عل وعسي شمس الصباح في مسافه العشر دقائق تلك مشيا علي الاقدام تنشط الدوره الدمويه في جسدي المعتل وتزودني ببعض الفيتامينات التي يكتسبها جسم الانسان عند التعرض لاشعه الشمس الصباحيه ويحتاجها وما انفك تفكيري كله الا ومنصب مع صالح وماذا تخبئ له الاقدار من مصير في ام درمان واكبر اسواقها واشهرها بالمتفلتين والخارجين عن القانون و…. !!! مسكين صالح ! وجدت نفسي وانا مشيا علي الاقدام حتي بوابه الاذاعه الشماليه ادعو الله لصالح ان يقيه شرور السوق ويغطي عليه ويسهل امره! بيد ان عقلي ظل مشغولا بكيف لصغير مثله ان يقضي ليله ونهاره بعيدا عن جو الاسره ورقابه الاهل !!
كان موضوع صالح حاضرا في (الونسه) مع الزملاء كافي مدير الاداره السياسيه بالتلفزيون وجابر الزين مردس مدير الاداره العامه للاخبار والسياسه وذلك قبيل اجتماعنا الراتب للجنه المذيعين وبوجود اخرين يستمع الكل لقصه صالح بكل الاهتمام وقد ابدوا تعاطفا متعاظما مع ظرفه القاسي وقصته المؤلمه فكان جل حديث الاخوه الزملاء الاكارم منصبا حول عشرات المئات من الحالات المشابهه لاطفال فقدوا العائل بعضهم تلقفتهم ايادي العصابات والاكثر حظا منهم دخلوا دائره تعاطي مذهبات العقل نتيجه لاستغلال عديمو الضمير الانساني لهؤلاء الاطفال واستغلال حوجتهم للمال وبعدهم عن الاسره والرقيب !
فوظفوهمم معهم يروجون للمخدرات ويسوقون العرقي وخلافه !! ابديت لزملائى رغبتي ان اضم صالح الي اسرتي وابقيه معي بالمنزل كي اطمئن عليه اختلفت ردود الزملاء منهم من ايد ولكن الاكثريه حذروني من الانسياق وراء العاطفه وهؤلاء كانت تبريراتهم كلها تنصب في اني قد اتعرض لمشاكل كبيره من اسره الصغير ومن الصغير نفسه وبخاصه واني لا اعرف خلفيات عنه واسرته وقد يجر علي نفسه مشكلات بالسوق (الغير اامن)!! وقد ينجرف وراء مغريات المجرمين الذين يجعلون من المال وسيلتهم لجذب هؤلاء الصغار قد….. وقد….. !!! بلعت دموعي المشفقه علي صالح، عدت الي منزلي نهايه اليوم واذا برقم غريب يرن … الوو انتي الخاله القبيل لاقيتيني في الحافله؟ !!
ايوه انا خالتك فاطمه ياصالح مابعت التلفون ؟!
بعتو وهسي دقيت علي امي من تلفون ربيكا اشتريتو ودقيت ليك هسي منه !
عملت شنو ياصالح ؟! التلفون جاب لي 45 الف
سويت بيها شنو ؟
اشتريت معجون وصابون وظهره وشرابات حقت رجال واطفال وفرشتهن في شوال
بعت كويس؟
ااي الحمد لله والباقي تراهو ده خاتيهو في جيبي!
طيب الحمد لله ياصالح
قاطعني لاكين يا خالتي فاطنه علا مالقيت ولاد الحله ولا زول منهم وكمان غشوني مالقيت العناقريب القالوا باجروهن للمبيت والبوليس حايم يطرد في الناس ! ..
دارت الدنيا علي بما رحبت وبخاصه واني قد استوعبت تحذيرات زملائى لي من مغبه استضافه الصغير بمنزلي وبسرعه وجدت نفسي اقول له اسمع ياصالح اسال الناس قسم الشرطه هناك وين وامشي دق لي اول ماتصل وتقابل اي بوليس هناك اديني ليهو
لم استكمل غدائى حتي رن التلفون وجاءني صوت احدهم السلام عليكم
رددت التحيه باحسن منها اااي يا اخت الوليد ده جانا هنا وقال انتي رسلتيهو عشان تتكلمي معانا
طلبت منه بكل الادب ان يعطيني اسمه ورتبته تردد قليلا لكنه اعاد السلام مره اخري حين اعلمته بشخصي الضعيف ومن فوري قصصت عليه القصه كامله ولم انس حديث الزملاء وتخوفاتهم طلبت منه ان يستضيفوه معهم خوفا مما ذكر قبلا
حولني الشرطي الي رئيس او مدير القسم الذي تفهم الامر وطمأنني بان صالح سيبقي بالقسم بعد انتهاء عمله بسوق ليبيا وسيكون تحت رعايه ونظر الشرطه
قائلا اطمئني عليه لن يصيبه مكروه ان شاء الله
نزلت دموع الفرح غزيره من عينيي وظللت اردد يا الله احفظ صالح واجزي رجال الشرطه في قسم سوق ليبيا خير الجزاء واعن يا الله مدير عام الشرطه الفريق اول عنان ورجاله الاوفياء في ارجاء الوطن العزيز علي تحمل كل هذا النصب والتعب كي ننعم بالامن والامان في السودان العظيم وينجو امثال صالح وصالح من براثن عصابات الشر.

whatsapp
أخبار ذات صلة