السودان.. جهود دولية مكثفة لإنهاء الحرب وتسريع عملية السلام
متابعات- تاق برس- تشهد الأزمة السودانية حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا خلف الكواليس، إذ تتسارع الخطى على المستويين الدولي والإقليمي نحو صياغة حل سياسي ينهي الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين، بينما تتباين مواقف الأطراف المحلية والإقليمية تجاه آليات الحل ومآلاته المحتملة.
بوادر انفراج.. ولكن!
وفق مصادر دبلوماسية تحدثت لـ”الجزيرة نت”، فإن العاصمة المؤقتة بورتسودان تحولت خلال الأيام الماضية إلى مركز حراك دبلوماسي هادئ وغير معلن، شمل زيارات قصيرة لمبعوثين من دول إقليمية، أبرزها السعودية، إلى جانب اتصالات مستمرة مع عواصم عربية وأفريقية وغربية، تأتي جميعها تمهيدًا لمؤتمر دولي تعمل عليه الإدارة الأميركية، من المقرر عقده قريبًا في واشنطن لبحث مستقبل السلام في السودان.
المصادر ذاتها كشفت عن إشارات أولية وردت من واشنطن بشأن مبادرة جديدة تسعى لتقريب وجهات النظر بين الطرفين العسكريين المتنازعين: الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
الولايات المتحدة على الخط
الاهتمام الأميركي المتزايد بالأزمة السودانية برز بوضوح منذ يونيو/حزيران الماضي، بعد اجتماع نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو ومستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس مع سفراء كل من السعودية ومصر والإمارات، في إطار تفعيل دور “اللجنة الرباعية” المعنية بالملف السوداني.
وفي خطوة لافتة، عبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب—في أول تصريحات علنية له بعد عودته إلى البيت الأبيض—عن التزام إدارته بدفع عملية السلام في السودان، مؤكدًا خلال لقائه مع رؤساء خمس دول أفريقية مؤخرًا على ضرورة استقرار السودان كعنصر مفتاحي للأمن الإقليمي في شرق ووسط أفريقيا.
مواقف داخلية متباينة
من الجانب السوداني، أبدت القيادة الحكومية في بورتسودان استعدادها المبدئي للتعاطي مع أي مقترح يضع حدًا للحرب، شريطة أن يكون منسجمًا مع خارطة الطريق التي طرحتها سابقًا وسلمتها للأمم المتحدة، والتي تنص على تسمية رئيس وزراء مدني وتعديل الوثيقة الدستورية لتقنين مرحلة ما بعد الحرب.
وتشير مصادر حكومية إلى أن القيادة السودانية فضّلت تلقي المبادرة بصيغة رسمية مكتوبة قبل إعلان موقف نهائي، مؤكدة أنها بدأت مشاورات إقليمية مكثفة في هذا الشأن عبر مبعوثين أمنيين وسياسيين إلى عدد من الدول المؤثرة في الملف السوداني.
في المقابل، قوات الدعم السريع—عبر مكتبها الإعلامي—أكدت أنها لم تتلقَ رسميًا أي اتصال من الإدارة الأميركية بشأن المبادرة، ولكنها على علم بها من خلال وسائل الإعلام.
ورغم ذلك، أبدت القوات استعدادها للتجاوب مع أي مسعى جدي لوقف الحرب، لكنها اتهمت الجيش بعرقلة جهود السلام، وأكدت أنها تمضي قدمًا في خطتها لتشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها، كخطوة “لترسيخ التحول المدني الديمقراطي” على حد تعبيرها.
مشاورات أفريقية وتحفظات إقليمية
في سياق متصل، أفادت مصادر من الاتحاد الأفريقي بوجود مشاورات جارية مع شركاء دوليين مثل “إيغاد” لتوحيد الرؤى بشأن تسريع عملية السلام في السودان، غير أنها أقرت بعدم وجود خطة مكتملة حتى اللحظة، متوقعة أن تتبلور المبادرة الأميركية خلال الأسابيع المقبلة.
لكن مصادر أخرى ألمحت إلى وجود تباين واضح بين العواصم الإقليمية الكبرى حول هوية الأطراف التي يجب أن تُدعى إلى طاولة المفاوضات، ما قد يُعيق التقدم في أي مبادرة، خاصة مع تحفّظ بعض الدول على إشراك قوى مدنية بعينها.
ثلاث مسارات وثلاثة سيناريوهات بين الواقع والطموح:
وسط التحركات الإقليمية والدولية المتسارعة لوقف الحرب المدمرة في السودان، برزت مقترحات متعددة لوضع حد لهذا النزاع، تراوحت بين الحلول العسكرية والسياسية والاقتصادية، في وقت يشهد فيه المشهد السوداني تعقيدات شديدة وتبايناً حاداً في مواقف الأطراف المتحاربة.
– مقاربة ثلاثية المسارات
مصادر أفريقية مطلعة كشفت عن بلورة رؤية مبدئية ترتكز على ثلاثة مسارات متوازية يُرجّح أن تُطرح خلال اللقاءات القادمة للمجموعة الرباعية والداعمين الدوليين:
المسار العسكري: يُركّز على إجراء مفاوضات مباشرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تمهيدًا لوقف إطلاق النار الدائم، ووضع ترتيبات أمنية تحول دون تجدد النزاع.
المسار السياسي: يتمثل في فتح حوار وطني شامل يضم القوى السياسية والمدنية كافة، للاتفاق على شكل الدولة والحكم في “اليوم التالي” لما بعد الحرب، وبناء مسار انتقالي بمشاركة فاعلة للمدنيين.
المسار الاقتصادي: يهدف إلى إعداد خطة متكاملة لإعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد، مرتبطة بمخرجات التسوية السياسية، وضمانات للشفافية والعدالة في توزيع الموارد.
– سيناريوهات محتملة لإنهاء الحرب
في السياق ذاته، طرح الدكتور بابكر فيصل، رئيس حزب التجمع الاتحادي وعضو الهيئة القيادية لتحالف “صمود”، ثلاثة سيناريوهات مستقبلية لإنهاء الحرب الجارية:
سيناريو اتفاق السلطة المزدوجة: يقوم على فتح حوار مباشر بين القيادتين العسكريتين في بورتسودان ونيالا، بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة، على غرار النموذج الذي سلكه جنوب السودان سابقًا، إلا أن فيصل يرى أن هذا السيناريو يحمل بذور هشاشته ويصعب استدامته.
سيناريو التقسيم الواقعي: مستوحى من التجربة الليبية، حيث يتم وقف إطلاق النار دون الوصول إلى اتفاق سياسي شامل، مع بقاء كل طرف في مناطق سيطرته، مما يُنتج واقعًا سياسيًا مزدوجًا وسلطتين متوازيتين تتعايشان قسرًا دون تناغم.
سيناريو الحل الشامل: وهو السيناريو المفضل بحسب فيصل، حيث يتم التوصل إلى وقف دائم وشامل للأعمال العدائية، يعقبه حوار سياسي جامع يعالج جذور الأزمة، ويضع خارطة طريق لتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي بمشاركة قوى الثورة والمجتمع المدني.
تحذير من التدخل الخارجي
فيصل نبّه إلى أن استمرار الحرب وتعثر المساعي الداخلية للحل سيُفسح المجال لتدخلات دولية قد تفرض حلولًا لا تراعي المصالح الوطنية للسودان. وأكد أن غياب الإرادة السياسية من الأطراف المتحاربة يعزز فرص تدخل خارجي قد يُعيد إنتاج الأزمة بدل حلّها.
مناطق سيطرة الجيش
الجيش
اقتسام نتيجة الحرب
مع تصاعد الجهود الدولية لعقد تسوية سياسية شاملة تنهي الصراع الدامي في السودان، برزت تحذيرات من خبراء ومحللين سياسيين بشأن طبيعة الحلول المقترحة، والتي يُخشى أن تؤدي – وفق ما وصفوه – إلى “تقسيم نتائج الحرب” بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو ما يراه كثيرون تفريغًا لمطالب الشعب ومكافأة على العنف.
تسوية غير عادلة؟
الخبير في الشؤون الدولية والأمنية، الدكتور عامر حسن، يرى أن بعض المقترحات المطروحة تكرّس لواقع خطير يتمثل في تقاسم النفوذ بين طرفين عسكريين، أحدهما يمثل الدولة ومؤسساتها، والآخر – بحسب وصفه – “حركة متمردة” تحوّلت إلى تهديد وجودي بعد محاولتها السيطرة على الحكم بالقوة، بدعم إقليمي مموه.
ويؤكد حسن أن الجيش السوداني تمكن من إفشال محاولة “اختطاف الدولة” من قبل الدعم السريع، وأن المرحلة الراهنة تستوجب “حسمًا عسكريًا كاملاً” لا الدخول في مفاوضات تمنح “التمرد” شرعية سياسية أو عسكرية.
الحرب ليست قابلة للقسمة
ويضيف: “هذه ليست حربًا أهلية بين أطراف متكافئة، بل محاولة انقلاب مسلحة على الدولة، والمطلوب ليس تقاسم السلطة، بل تفكيك هذا التهديد بالكامل وفق رؤية الدولة السودانية ومطالب شعبها”.
واشنطن والتطبيع مجددًا؟
وفي منحى مختلف، يربط المحلل السياسي فيصل عبد الكريم التحرك الأميركي الأخير – خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى الواجهة – بمشروع أوسع يتجاوز الأزمة السودانية، ويهدف إلى إعادة إحياء مسار التطبيع مع إسرائيل.
ويُذكّر عبد الكريم بلقاء البرهان – نتنياهو في أوغندا عام 2020، ثم توقيع السودان على “اتفاق أبراهام” في 2021، معتبرًا أن واشنطن قد تستثمر “مشروع التسوية” لإعادة ترتيب ملفات التطبيع في المنطقة، وربما التحضير للقاء سياسي جديد بين الخرطوم وتل أبيب في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا سبتمبر.
عقبات أمام التسوية
ويشير عبد الكريم إلى أن أكبر تحدٍ يواجه جهود التسوية هو تباين مواقف القوى الإقليمية حتى داخل اللجنة الرباعية، فضلًا عن رغبة القادة العسكريين – البرهان وحميدتي – في تأمين مستقبل سياسي شخصي، وهو ما يعقّد أي حلول تضع البلاد فوق الطموحات الذاتية.
خلاصة:
يرى محللون أن أي حل يُفضي إلى تقاسم النفوذ بين الجيش والدعم السريع قد يُواجه برفض شعبي واسع، ويكرّس الانقسام بدلًا من إنهائه، ما لم يُبنَ على رؤية وطنية تُعيد هيكلة الدولة وتمنع شرعنة العنف كأداة سياسية.
تحديات بارزة:
تباين مواقف الدول الإقليمية داخل الرباعية.
الطموح السياسي الشخصي.
رفض شعبي لأي “تسوية اقتسام سلطة” لا تعالج جذور الأزمة.
هل يُعيد ترامب ملف التطبيع؟
يشير محللون إلى احتمال استخدام مشروع السلام كجسر لاستئناف العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، وربما لقاء جديد بين البرهان ونتنياهو في الأمم المتحدة
المصدر: الجزيرة نت