عاطف حسن يوسف يكتب عن صورتك الخائف عليها
كتب: عاطف حسن يوسف
صورتك الخائف عليها
في زمن أصبح فيه الهاتف الذكي ملازماً لليد.. تحوّلت الكاميرا من أداة لحفظ الذكرى إلى فخّ يُنصب لـناس دون أن يشعروا.. صرنا نعيش في عالم يطارد فيه الناس اللحظة لا ليحفظوها لأنفسهم.. بل ليعرضوها على الآخرين في سباق محموم نحو المشاهدات والإعجابات والتفاعل.. كم من موقف مؤلم أو لحظة حرجة مر بها أحدنا في الشارع.. فوجد الكاميرات تحاصره من كل اتجاه.. توثّق انكساره.. وتختزل إنسانيته في مقطع قصير لا يرحم!
المؤسف أن هذا الفعل بات يُرتكب ببرود.. وتحت مسميات براقة مثل “التوثيق” أو “المحتوى”.. وكأن الشخص الذي يصور ليس بشراً من لحم ودم.. له خصوصيته وله حقه في أن يختار متى وكيف يُرى.. الكارثة لا تقف عند حدّ التصوير.. بل تتجاوزه إلى النشر العلني دون استئذان.. مع تعليقات لاذعة أو سخرية جارحة.. تحوّل لحظة إنسانية بحتة إلى مادة استهلاكية يُضحك بها الناس أو يُستدر بها التفاعل..
من يفتح كاميرا في الشارع لتصوير الآخرين دون إذن.. لا يدرك أنه يتعدّى على مساحات حساسة من حياة الناس.. لا فرق هنا بين من يصوّر شخصاً يجهش بالبكاء.. أو مريضاً يُحمل إلى سيارة إسعاف أو لحظة عاطفية.. أو حتى مشهداً عابراً لشخص يتعثر في مشيته.. ففي كل هذه الحالات.. هناك إنسان في قلب الصورة.. وله صورة في ذهنه عن نفسه يخاف عليها أكثر من أي شيء.. تلك الصورة ليست جسده فقط.. بل كرامته.. وسرّه.. وضعفه.. ولحظته الخاصة التي لا يُفترض أن تُنتزع منه وتُعرض على الملأ..
التصوير في الأماكن العامة ليس جريمة في حد ذاته.. لكنه يصبح كذلك حين يُمارس بلا وعي.. بلا مراعاة.. بلا إذن.. وبلا إحساس أو حدود.. عندما يُستخدم الهاتف كأداة تجسّس على مشاعر الناس أو معاناتهم.. فذلك لا يمكن تبريره أبداً باسم الحرية أو “المحتوى”..
نحن أمام أزمة أخلاقية تتجاوز حدود القانون.. تحتاج إلى وعي جمعي يُعيد ترتيب الأولويات.. احترام الإنسان أولاً.. قبل أي شيء..
إن مشهداً يُنشر اليوم بدافع الترفيه.. قد يترك في قلب صاحبه جرحاً لا يُرى.. لكنه لا يندمل.. وكم من حياة تغيّرت كلياً بسبب صورة التُقطت في غفلة.. أو مقطع نُشر بلا رحمة.. أو تعليق جلب سخرية الدنيا على رأس صاحبه.. هذه أشياء لا تعوَّض.. ولا تُمحى.. حتى لو حُذفت بعد حين..
علينا أن نعيد السؤال إلى أنفسنا.. ما الذي نربحه حين نصوّر الناس دون رضاهم؟
وهل تستحق كل هذه المشاهدات أن نكون سبباً في إيذاء نفس بشرية أو فضح لحظة ضعف؟ ربما ننجو بـالقانون.. لكننا لا ننجو من ضمير سيوقظنا كلما لمحنا في عيون الناس خوفهم من أن تُسرق صورهم وهم على غير استعداد..
ف “صورتك الخائف عليها”.. هي نفسها التي يخاف عليها غيرك.. فاحفظها كما تحب أن تُحفظ صورك..
Atif hassan Yousif