عاطف حسن يتساءل: “ما بتردّ مالك؟”

99

“ما بتردّ مالك؟”

عاطف حسن يوسف

تسقط هذه العبارة على مسامعنا كثيراً لحظة الرّد علي الهاتف.. في البيت والشارع وأروقة العمل.. وكثيراً ما تُقال بعفوية وفي الغالب تقال بانفعال.. عن قصد أو دون قصد. غير أنّ ما يبدو جملة عابرة.. قد يختزن في داخله نفاذاً سريعاً إلى الحكم.. وتغافلاً عن آلاف الاحتمالات التي تجعل الآخر عاجزاً – أو غير مستعد – للرد حينها.

إنّ غياب الرد على الهاتف.. أو التأخر في الإجابة على رسالة.. ليس بالضرورة فعلاً مقصوداً أو تعبيراً عن فتور العلاقة أو اهمال. الأسباب التي قد تحول دون الردّ مفتوحة على فضاء واسع.. ظرف صحي.. انشغال طارئ.. موقف اجتماعي حرج.. أو حتى رغبة صادقة في الصمت. !!! (لحظة خلوة) ..
لذا فإن أول ما ينبغي أن نتعلّمه هو فن التماس العذر.. ووضع الاحتمالات الرحبة قبل أن نصدر أحكاماً أو نصوغ عتاباً سريعاً.

لكن المسألة لا تقف عند حدود الرد من عدمه.. بل تمتد إلى أدب بدء المكالمة أو المحادثة.
إنّ الهاتف.. على ما هو وسيلة تواصل فوري.. لا يرفع الحجب عن حال الطرف الآخر. قد تكون أنت في مزاج ضاحك فتبدأ بنكتة.. بينما الطرف الآخر يقف في بيت عزاء. أو قد تبدأ بخبر وفاة.. بينما المتلقي في لحظة احتفال طال انتظارها. الفارق في التوقيت والمقام قد يحوّل الكلمة العادية إلى جرح غير مقصود.

هنا يتجلّى الذوق العام في التعامل.. لا باعتباره رفاهية اجتماعية.. بل ضرورة أخلاقية. الذوق هو أن تطرق باب المحادثة كما تطرق باب البيت.. بلطف وهدوء. تبدأ بعبارات عامة.. تتحسس بها نبض المتلقي.. وتستشف حاله.. قبل أن تُلقي بثقل ما تحمل من أخبار أو مشاعر أو طلبات.

ومن الذوق أيضاً أن ندرك أنّ الهاتف – كما اللقاء المباشر – ليس فضاءً مفتوحاً بلا حدود.. بل هو مساحة مشتركة ينبغي أن تُدار باحترام متبادل.. احترام وقت الآخر.. وحالته النفسية.. وسياقه الاجتماعي.

إنّ أدب التواصل ليس مجرد كلمات مهذّبة.. بل هو وعيٌ بالمسافة بيننا وبين الآخر.. وإحساس باللحظة التي تجمعنا. وهو فن يقوم على الصبر.. والتمهل.. وحُسن التوقيت.. بقدر ما يقوم على اختيار العبارات.

في زمن السرعة والانشغال.. ربما كان أرقى ما يمكن أن نقدّمه لأنفسنا وللآخرين هو أن نتروّى قبل أن نحكم.. وأن نلتمس العذر قبل أن نعاتب.. وأن ندخل في المحادثة كما يدخل ضيف كريم.. يعرف كيف يجلس في القلب قبل أن يجلس على المقعد. فالكلمة.. مثل الهدية.. لا تُقدَّم في أي وقت أو أي هيئة.. بل في اللحظة التي تجعلها تبني جسراً.. لا أن تفتح فجوة.

whatsapp
أخبار ذات صلة