عبد اللطيف البوني يكتب عن القاهرة بعد مائة يوم
القاهرة بعد مائة يوم
ماذا قالوا عن مصر؟
عبد اللطيف البوني
حاطب ليل
قبل الدخول في كتابة هذا المقال اسمحوا لي أن أشكر كل الأصدقاء الأعزاء الذين علقوا على المقال السابق.. وكالعادة قرأت جميع التعليقات وبتركيز شديد.. لما فيها من أفكار وآراء نيرة.. وحتما سوف تظهر استفادتي منها فيما يصدر عني من كتابات.. (فعلا نصف رأيك عند أخيك) بيد أن التعليقات على المقال الأخير أوضحت لي أن موضوع العلاقات السودانية المصرية يحتاج لمعالجة متعمقة.. وإلا سيكون ما يكتب تكرارا للكلام الكثير الذي قيل فيها ومنذ عهود مضت إلى يوم الناس هذا..
لذلك إنني أتوقع أن تمتد هذه السلسلة لأنني سوف اصطحب معها الواقع السوداني الذي عمقته الحرب فينا بجروحها الغائرة.. فكما قلت من قبل (الدخلت فينا ما بتمرق تاني) شيء هام أقفز به إليكم… وهو أن هذه السلسلة لن تنتهي إن شاء الله بالدعوة لوحدة وادي النيل.. أو الاتحاد مع مصر.. أو التكامل معها.. أو.. أو.. كل هذه الشعارات المستهلكة ولكنها إن شاء الله تدعو إلى مقاربات بين شعبي البلدين بعيدا عن الحكومات وربما بعيدا عن الدولتين.. حيث لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد ولا حتى الأساسي في العلاقات الدولية.. في تقديري أن الفاعل الأول في العلاقات الدولية الآن هو الطبقة البرجوازية بشقيها الكبير والصغير.. فدعونا فيما يتعلق بالعلاقات بين مصر والسودان أن نجرب هذه المرة هذه الطبقة، أي الطبقة البرجوازية أي الطبقة الوسطى.. فالطبقة الوسطى هي الكتلة الحيوية القابلة للتمدد لتجذب الطبقة الارستقراطية على محدويتها إلى أسفل.. والطبقة الفقيرة على اتساعها إلى أعلى.. وهذه فرضية ثانية تضاف لما ذكرناه من فرضية سابقة فإن شاء الله كيبوردنا إلى كيبوردكم نجري حوارا هادفا (ندق ونديكم.. تدقوا تدونا).. فاي جهد إصلاحي أوله كلام (فليسعد النطق إن لم يسعد الحال)….
في هذه المائة يوم التي أمضيتها في القاهرة حرصت على التحدث إلى كل من التقيته من الذين أجبرتهم الحرب على النزوح لمصر.. تحديدا الذين لم يكن على بالهم الحضور إلى مصر نهائيا.. ليس لأن لهم رأي في مصر بل ما كانوا يظنون أنهم سيخرجون من ديارهم إلى مكان آخر غير أماكن تواجد أهلهم وأعمالهم.. كل حواراتي التي أجريتها مع مختلف الطبقات من معارفي الخاصة من الشاكلة أعلاه ولكن أكثر فئة قابلتها هي فئة العائدين من مصر إلى السودان لأن موقع سكني قريب جدا من مكان تجمعهم.. حتى الذين سافروا بالقطار ذهبت إلى وداع بعضهم في محطة رمسيس.. وهذه الفئة يمكن تسميتها (الهاربون إلى مصر.. العائدون منها) فهولاء تجربتهم اكتملت.
وما قمت به ليس عملا علميا ممنهجا بل كان عبارة عن دردشات وونسات عادية.. كان همي فيها التعرف على الانطباع الذي خرجوا أو سيخرجون به من مصر.. تحديدا ما هي صورة مصر في أذهانهم قبل المجيء إليها ثم هل تغيرت هذة الصورة بعد العيش فيها؟ .. معظم الذين تحدثت إليهم تراوحت مدة مكثهم في مصر بين العام والعامين.
من الآخر كده نسبة كاسحة منهم قالت إنهم كانوا يحملون صورة ذهنية سلبية عن الشارع والمجتمع المصري قبل قدومهم.. لا بل حتى وهم في طريقهم إليها.. والآن قد تغيرت هذه الصورة تماما إلى صورة ذهنية إيجابية.. بعضهم قال إن ذلك حدث من أول اسبوع.. وبعضهم قال إن التغيير الذهني أخذ معه زمنا أطول لأنه كان متحفزا و (عامل حسابه شديد من المصريين) لا نود هنا أن نفصل في حثييات الحوار.. من انبهار بالقاهرة من حيث البنيات الأساسية والمواصلات والأكل والشرب.. في تقديري أن الأمر يحتاج إلى استبيان علمي تقوم به إحدى المؤسسات السودانية الموجودة في مصر.. علمي من حيث تكييف الموضوع َواختيار العينة وأسئلة الاستبانة.. استبيان يقف عليه مختصون أكاديميا وفنيا؛ لكي نصل إلى نتائج أقرب للصواب.. وبعد ذلك صناع ومتخذو القرار في البلدين على كيفهم يبنوا عليه سياسات أو يجدعوا به في سلسلة المهملات هذا بافتراض أن الشغلانة ورقية وليست إلكترونية.. قد يرى البعض أن هذا ترف أكاديمي (فنحن في شنو وانت في شنو) ولكن في تقديري أنه يخدم فرضية أن هذه الحرب اللعينة أوجدت فرصا جديدة لمسارات قديمة ومن ضمنها العلاقة بين السودان ومصر (أمسك عندك دي فرضية ثالثة… والله المستعان)
أما من أين أتت هذه الصورة السلبية؟ ولماذا تغيرت؟ فالاستبيان المقترح أعلاه يمكن أن يعطي مؤشرات ولكنها تحتاج إلى حفر أعمق..
فابقوا معنا إن شاء الله.