“المتعاونون” مع الميليشيا.. أحرارا بأمر السلاح
“المتعاونون” مع الميليشيا.. أحرارا بأمر السلاح
كتبت – هاجر سليمان
مكتشفة مجزرة (الفيحاء) تكشف تفاصيل صادمة
من قتل نجل (فاطمة)؟
قاتل الشهيد محمد صلاح تمنو الحقيقي حرًا طليقًا
متعاون يتسبب في مقتل مواطنين وإرهاب للضحايا بقوة السلاح
المسرح الفيحاء، حيث كانت تقطن الأم فاطمة أزرق سليلة بيت (العطبراوي) هي وزوجها وأبناؤها الأربعة وبناتها الاثنتان. كان أحد أبنائها قد عمل في الشرطة لفترة وتركها قبل سنوات خلت. وحينما اندلعت الحرب وتربص المتربصون بالشعب، أرشد شخصٌ ما على منزل فاطمة ليتم اعتقال ابنها المهندس الذي قُتل مؤخرًا وكان من بين ضحايا مجزرة (الصالحة) التي رصدها العالم أجمع وفارق ضحاياها الحياة وسط صمت المجتمع الدولي إزاء انتهاكات الدعم السريع. ولعنة الله على العالم أجمع الذي يصطف إلى جانب الكذب والقتلة ويحارب الضعفاء والبؤساء ويدين الشرفاء.
التقيتُ الأم فاطمة أزرق التي كشفت تفاصيل ما حدث، حيث أخبرتني بأن ابنها الشهيد محمد صلاح تمنو خريج الهندسة الذي كان يعمل مندوبًا للمبيعات، ولكن شقيقه هو من عمل بالشرطة وتركها. وفي أحد الأيام وأثناء تواجده بـ”الإستار لنك” بشارع الوالي تم اعتقاله. ومن هناك أُحضر إلى المنزل لتفتيش المنزل. وهنا التقى الابن أمه للمرة الأخيرة ليبلغها بالنص: (أمي أنا أرشد عنى (ج)، ولو عدت حي باخد حقي منه رجالة، ولكن لو مت إنتى اخدى لي حقي منه، أوعاكي تخليهو لأنه أرشد عليّ الدعامة وقال ليهم ده ياهو محمد).
وللعلم، المدعو (ج) أرشد الدعامة على محمد وصديقه حمد مصطفى اللذين اعتُقلا معًا وشاءت إرادة المولى أن يُطلق سراح الآخر بحمد الله، بينما اُغتيل الشهيد (تمنو) بدمٍ بارد بعد أن قال الشهيد لأُمه ما أراد قوله وإكمال أفراد الميليشيا تفتيش المنزل، ثم اقتادوه ورفيقه إلى معتقل المتمرد السفاح (جلحة)، وبعدها اقتيدا إلى معتقل بشارع الستين، وذلك قبل اجتياح الجيش لشرق النيل وتحريرها بثلاثة أيام، ثم تم اقتيادهم إلى جبل أولياء، بينما كانت الميليشيا تسجل خروجها من المدن التي سيطر عليها الجيش السوداني.
ومن جبل أولياء اقتيدوا إلى الصالحة، حيث مكثوا بها خمسة وعشرون يومًا، تم خلالها تعذيبهم وانتهاك آدميتهم قبل أن تتم تصفيتهم بأبشع الصور فيما يعرف بـ”مجزرة الصالحة”، بعد أن كذب أفراد الميليشيا وادعوا زورًا بأن الشهداء كانوا ينتمون لـ”كتائب البراء” وهم بَراءٌ من ذلك الاتهام، إذ لم يكونوا سوى مواطنين أبرياء عُزل انتهكت الميليشيا حقوقهم الإنسانية وقتلتهم بأبشع الطرق بعد أن نكلت بهم وعرضتهم لأقبح سيناريو وسط صمت العالم أجمع قبح الله وجوه سادته.
واصلت الأم حديثها لتؤكد بأنها ظلت باقيةً بمنزلها، ولكنها كانت تبحث عن ابنها ولم تتوقف رغم المخاطر. وأثناء بحثها بمعتقلات “الفيحاء”، فإذا بها تشاهد بعينها عشرات الجثث التي قتلتها الميليشيا وتورط في قتلهم ما أسمته السيدة بـ(سفاح الفيحاء) المدعو (أ)، وهو صديق المدعو (ج) وتربطهما علاقات صداقة سببها جلب المفاسد والشر والتسبب في قتل الأبرياء.
حينما شاهدت الأُم جثث ضحايا مجزرة معتقل الفيحاء “مُكومةً” ويتم التخلص منها بإلقائها داخل بئر سايفون بمنزل بالحي، قالت بلا وعى وليتها لم تقل (إكرام الميت دفنه) (أدفنوهم) (كفاهم)، وليتها كانت خرساء فقد كلفتها هذه الكلمة الغالي والنفيس، حيث قام سفاح الفيحاء كما أسمته المدعو (أ) بإطلاق عيار ناري عليها أصابها في ساقها اليُمنى وتم اعتقالها، وتسببت كلماتها تلك في اعتقال أولادها وبناتها جميعًا واقتيادهم إلى معتقل (التفاح الحرام)، وهنالك مورس عليهم الحرام، ولعل التعذيب بالنار من أنواع المحرمات التي نهى عنها رسولنا الكريم حينما قال “لا يُعذِب بالنار إلَا ربُ النار”. تم تعذيب الأُم بالكي بالنار وضربها وتعذيب زوجها الذي يخضع الآن للعلاج وحالته حرجة وكذلك أبنائها تم تعذيبهم وجرت لنفسها وعائلتها أصنافًا من التعذيب بسبب مطلب شرعي ومحاولة بائسة منها للدفاع عن حقوق موتى أبرياء قُتلوا أثناء التعذيب فيا لبشاعة المنظر.
فاطمة أزرق هي أول سيدة سودانية تقدم بلاغًا ضد الميليشيا وتُرشد الشرطة إلى بئر السايفون التي استغلتها الميليشيا في التخلص من جثث العشرات من ضحاياها بينهم نساءٌ، وأطفال، وفتيات، جميعهم قُتلوا بدمٍ بارد ولا ذنب لهم، وتحللت جثث عدد منهم، بينما تم انتشال ما تبقى من جثث.
وحينما عثرت فاطمة على (ج) المتعاون الذي أرشد عن ابنها وصحبه، كانت تائهةً باحثة عن جثة ابنها في خلاء الصالحة ولم تُفِق من صدمتها لتُصدم بوفاة شقيقتها. وعندما استفاقت من أحزانها قررت الذهاب إلى قسم الشرطة لتحرير شكوى ضد قاتل ابنها الذي أرشد عنه، ولولاه لكان قرة عينها جالسٌ أمامها. ذهبت للقسم حينما سمعت بأنه أُلقي القبض عليه بموجب بلاغ تقدم به أحد المواطنين ضده، وأكد فيه انتماء المذكور للميليشيا وارتكابه لانتهاكاتٍ ضدهم، ومن هنا بدأت رحلتها.
تعرضت السيدة أولًا للاستفزاز من قبل زوجة المتهم، وبعدها وبينما كانت في (التكية) حيث تعمل طاهيةً للطعام وتقدم الطعام للمحتاجين، وأثناء تواجدها بالتكية حضر إليها شخصٌ ومعه آخر مُسلح وقال لها إنتى فاطمة أزرق فأجابت بـ”نعم”، وقالت لي إنّ قدوم ذلك الشخص رفقة المسلح تسبب في هروب المواطنين من التكية ومغادرتهم خوفًا من إطلاق النار. وأضافت لي بأنه قال لها بالنص: (أنا جاي أتحرى معاكي)، وعاجلها قائلًا: (إنتي بينك وبين جعفر في شنو؟؟)، قالت له فاطمة إنت منو؟؟ قال لها أنا شقيق المدعو (ج). قالت له فاطمة البلاغ الحالي ليس بلاغي ويخص شخصًا آخر. وبالفعل سارعت هي واتجهت لفتح بلاغ ضد (ج)، وقالت إنها لن تتنازل رغم الضغوط. وقالت إنّ حضور شقيق المدعو ومعه آخر يحمل السلاح أرهب المواطنين، وأضافت بأن شقيقه المذكور ينتمي للقوات المشتركة، وهذا هو مربط الفرس..
هل يجوز لأي جهة تحمل السلاح حتى وإن كانت “نظاميةً” تتبع للدولة أن تشفع في مثل هكذا بلاغات؟؟
على الدولة أن تحمي السيدة فاطمة أزرق حتى لا يتم اغتيالها والتخلص منها مثلما حدث مع ابنها.
نطالب بالتشديد في ملف المتعاونين، وإن كنت أرى أن العمل في هذا الجانب خاصةً في شرق النيل ضعيفٌ جدًا. لذلك، أُطالب السادة/ مدير عام جهاز المخابرات العامة، والسيد مدير عام هيئة الاستخبارات، والسيد مدير عام قوات الشرطة، إيلاء ملف المتعاونين أهميةً قصوى، وتقديم الحماية اللازمة للشاكين والشهود، فكم من قضايا ستموت بسبب هذا التهاون. ونطالب بتعيين ضباط أشداء للعمل في هذا الملف.