الشهيدة (قسمة) تُعلّق جرائم الجنجويد على شجرة
الشهيدة (قسمة) تُعلّق جرائم الجنجويد على شجرة
كتب – خالد الفكي سليمان
مليشيات آل دقلو الإرهابية تأبى في كل صباح إلا أن توثّق بكل جرأة جريمة جديدة من جرائم جندها، تتار العصر الحديث، بحق المدنيين الأبرياء العُزّل. والأفظع والأكثر صدمة تلك الجرائم التي يندى لها الجبين وتتواري منها الأعين خجلاً، ضد حرائر السودان الماجدات، من لدن السلطانة تيراب (أم سلمة بنت السلطان)، وفاطمة أبكر (أم كبس)، والناشطة حواء قصاص، وصفية إسحق، والناشطة حواء عبد الله (حواء جنقو). ولن تكون (قسمة علي عمر) التي اغتالتها أيادي المليشيات بربطها وتعليقها على شجرة وتعذيبها حتى الموت، في جريمة موثّقة بدم بارد من قبل القاتل المأجور، لن تكون آخر ماجدات الوطن الخالدات.
فجاعة ما جرى للشهيدة قسمة، وأبشع فصوله، تتجلى حين تتحول النساء إلى ضحايا أفعال غير أخلاقية ولا إنسانية، تُعيد إلى الأذهان عصور الانحطاط وقذارة النفس البشرية، حيث ضرب القاتل دون مبالاة عرض الحائط بالأعراف والتقاليد وقدسية المرأة لدى المجتمعات السودانية الأصيلة. الفيديو المتداول على منصات التواصل الاجتماعي صدم الضمير الإنساني صدمة جعلت النفوس تخرج ما في أحشائها حزناً وألماً. كيف لا.. وهو يوثق جريمة تقشعر لها الأبدان: فتاة سودانية مربوطة الأيدي والأرجل، مُعلّقة على شجرة، تستجدي الرحمة من جلاديها الذين تجردوا من أبسط معاني الرجولة والشرف والنخوة المتجذرة لدى السودانيين (أولاد البلد).
اغتيال الشهيدة قسمة ليس الحادثة الأولى في سجل جرائم وانتهاكات مليشيات آل دقلو، لكنه يختزل حجم الانحدار الأخلاقي الذي يمارسه أفراد تلك العصابات “الدقلوية” ضد النساء الصامدات، عبر القتل والاغتصاب والإذلال وسرقة المقتنيات. لتؤكد هذه الحادثة أن استهداف النساء ليس خياراً عابراً، بل أسلوباً ممنهجاً للجنجويد يهدف إلى كسر إرادة المجتمع السوداني وتمزيق نسيجه الاجتماعي. ولكن هيهات أن تتحقق تلك المخططات الخبيثة؛ فالسودانيات هن أشجع نساء العالم، ويشهد لهن التاريخ الممتد بالجسارة والكفاح ومواقف البطولة الصامدة. فحفيدات فاطمة تابيت (المعروفة بـ”أم نوبة”)، و(منيرة قرنق)، لن تُكسر عزائمهن على أيدي تتار العصر.
أجزم أن ما يجري من تعديات سافرة وجرائم ممنهجة بحق حرائر السودان لا علاقة له بالحرب، بل هو هزيمة أخلاقية مكتملة الأركان مُني بها محمد حمدان، زعيم تلك المليشيات، قبل جنوده. كما تكشف بوضوح زيف ادعاءات “رؤى السودان الجديد” وتمكين المرأة والديمقراطية والحرية، وأهداف ثورة ديسمبر، التي هي براءة من أفاعيل هؤلاء القتلة. فكل صورة لامرأة مُهانة أو مُعلقة أو مُغتصبة هي وصمة عار على جبين مرتكبيها، ولعنة تطاردهم في الأرض والسماء. ومهما حاولوا تبرير جرائمهم أو تغليفها، ستظل الحقيقة شاهدة: هذه أفعال لا يفعلها إلا من فقد إنسانيته بالكامل وتحول إلى كائن همجي.
أجد نفسي مدهوشاً وما زالت المنظمات الحقوقية والإنسانية، والمدافعات عن حقوق المرأة، في صمت القبور، وكأن على أفواههن شربة ماء. فالإدانات وإصدار البيانات التوبيخية ومحاولات إخراج المسرحيات الهزيلة في مثل هذه الجرائم، في تقديري، هو اشتراك جنائي وتحفيز للقاتل على الاستمرار وتشجيع لعصابات آل دقلو على النيل من الحرائر. لذا، المطلوب إعداد ملفات جنائية عاجلة لتقديم محمد حمدان وكافة قادة مليشيا الجنجويد إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لكون تلك الجرائم قد تجاوزت حدود القوانين الوطنية والإقليمية، وبلغت انتهاك القوانين الإنسانية الدولية بكل عنف وازدراء.
كما أن على مجلس السيادة ورمز الدولة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومعالي رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، الإشراف المباشر على الوزارات والمؤسسات المختصة لإعداد ملفات وتوثيق كافة جرائم وانتهاكات محمد حمدان ومليشياته، وتقديمها إلى الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية والحقوقية، كأدلة إدانة. مع تكوين فريق دبلوماسي يطوف العالم للتعريف بجرائم حمدان ومنسوبيه، وفضح زيف مزاعمهم بحماية حقوق السودانيين وتشكيل حكومة تراعي مصالحهم وتصنع واقعهم الجديد.
Khalidfaki77@gmail.com