قراءة في عرضحال الدرديري محمد أحمد.. حرب بلا نصر

22

قراءة في عرضحال الدرديري محمد احمد : حرب بلا نصر

 

كتب – صديق محمد عثمان

 

– قبل خروجه النهائي من السودان قال فولكر مبعوث الأمم المتحدة الذي طلبته ( الحكومة السودانية) ليعلم السودانيون كيف ينتقلوا من (الحكم الديكتاتوري) وهو الحكم الذي كان يشارك فيه إسلاميو الإنقاذ مع القحاتة والجنجويد، إلى الحكم الرشيد الذي يخرج فيه القحاتة إخوانهم الكيزان ويحكموا منفردين مع اخوانهم الجنجويد ، قال فولكر إن المنتصر من الجيش أو الجنجويد سوف يكون عليه الحضور إليه لتوثيق شهادة انتصاره على أخيه !!

 

– يجتهد الدكتور الدرديري محمد أحمد وزير الخارجية الأسبق والقيادي في المؤتمر الوطني منذ سقوط الانقاذ في تقديم سردية ضد الدعم السريع، ومثله يفعل عدد من إخواننا من أبناء ( الأقليات) الاغلبيات الذين انضموا إلى نخب الدولة المركزية في وقت لاحق بعد اخوانهم الآخرين من الشمال والوسط الذين عملوا في دواوين الحكم الاستعماري وتكرم عليهم قبل خروجه بأن جعلهم وكلاء في ادارة محطته للجباية وادرة مصالحه والتي نطلق عليها اسم حكومة.

 

– معضلة السردية التي يحاول د الدرديري وآخرين تقديمها انها تصطدم بحقائق الواقع التي تقول ان انضمامهم إلى نخب المركز لم يكن له اثر كبير في تغيير طبيعة سلطة الجباية التي اسسها المستعمر لضمان استمرار سياسته لاستعمار العالم عبر وكلاء محليين وتقليل تكلفة احتلاله العسكري لمساحات جغرافية واسعة جدا. فلم تصبح (حكومة السودان) اوسع تمثيلا لقاعدة مجتمعاتها ولا تغيرت طبيعة سياساتها التي تجمع الموارد من تحت ايدي هذه المجتمعات لتمنع استقلالها لها محليا وتوفر بها اسباب الرفاه في مركز السلطة على حساب انعدام ابسط الخدمات في المناطق التي تنتج هذه الموارد وهو الامر الذي نتج عنه ما يسميه البعض بمعادلة المركز المرفه والهامش !! المركز الذي يعود لطلاء واجهة مطاره قبل انتهاء الحرب بينما الانجرافات الأرضية وحوادث الطرق وقوارب الهروب من الوطن والحميات الناتجة عن غياب صحة البيئة تقتل المئات يوميا.

– يقدم الدكتور الدرديري القانوني مرافعة طويلة جدا ضد بيان الرباعية يلخّصها في عنوان ذي دلالة تهزم مرافعته حينما يسبب رفضه لبيان الرباعية بانها تريد ايقاف الحرب دون انتصار اي من الطرفين المتقاتلين فيصيب مرافعته في مقتل حينما يبدو كداعية حرب والرباعية داعية سلام يرفضه الدرديري لانه سلام ينتزع منه ( انتصار) مزعوم !! ولا ادري ما هو الانتصار في ان يقتل الجيش نصف الشعب من اجل ان يطرد الجنجويد الذين صنعهم هو ولم يصنعهم الشعب ؟! وهو المسار الذي تسير عليه الحرب حاليا فالجيش كموسسة عنف تستخدمها السلطة المركزية ونخبتها قد اختار تقديم مواطني ولاية الجزيرة للمليشيا كرهاين لتفك قبضتها حول عنقه ومحاصرة قيادته العامة والجيش فعل ذلك لانه كموسسة محتكرة للعنف فهو لا يحتكر العنف لنفسه وانما ليحمي به السلطة التي انكشفت عنه فذهبت السلطة التي كان الدرديري وزير خارجيتها دون اي ترتيب وتركته مكشوف الظهر لفولكر وجماعة قحت الذين قالوا بأن الجيش اولا تضخم بحيث اصبح اكبر من اي سلطة يمكنهم تشكيلها وثانيا فهو غير موال لهم وتشكل لحماية سلطة سابقة وهم يريدون جيشا لهم هم يحتكر القوة والعنف لحمايتهم هم من شعبهم كما كان يحمي الدرديري وحكومته ولهذا الهدف اعملوا فيه مباضع التشريح وطردوا ضباطه بواسطة حميدتي الذي توسط مجالسهم وسال عمر زين العابدين وآخرين ( انتوا فرقكم شنو من ابن عوف ؟!! الشعب قال ما عايز ابن عوف معناها ما عايزكم انتوا ذاتكم فمفروض تمشوا !! أنا ما عايز أشوفكم هنا تاني !!) ومشى عمر زين العابدين وزملائه .. ذهبوا لانهم عبد المأمور وهو السلطان .. والسلطان حينها هو صاحب النفوذ .

 

– ولهذا فحينما يقول الدرديري ويردد المقولات المسطحة بأن الرباعية تدخلت لتمنع ( انتصار ) الجيش على مليشيا الجنجويد، فان السوال البديهي ينشأ : هل فعلا الجيش سينتصر عسكريا بدون مشروع سياسي؟! بمعنى آخر فان تعريف الجيش هو ( الموسسة التي تحتكر العنف لصالح الموسسة الحاكمة ) وانتصار موسسة العنف العسكري رهين بوضوح ملامح مؤسسته الحاكمة التي يقاتل دون مصالحها ؛ فما هي تلك الموسسة ؟! فخلال عامين ونصف من الحرب وبينما قوات الجنجويد تمارس تخريب البنى التحتية للدولة المركزية وتضرب نسيج مجتمعاتها وتسبب في إزاحتها حرفيا عن جغرافيتها على نحو غير مسبوق وبذات الطريقة التي استخدمت بها السلطة المركزية هذه القوات في دارفور خلال عقدين كاملين ، في هذه الاثناء كانت الجهات التي تمثلها الرباعية تعمل على ترتيب المرجعية السياسية لهذه القوات من خلال اعادة تشكيل التحالف السياسي المدني الضروري كديكور وفي ذات الوقت تدعم قيادة قوات الجنجويد ماديا وفنيا لتتحرك وسط قطاعات القبايل والمجتمعات الواسعة في جنوب وغرب كردفان وشرق وجنوب ووسط دارفور ، وفي ذات الوقت تطوف بقائد الجنجويد دول الجوار ترتب وتطور علاقاته وتوسع ارتباط مصالح قادة هذه الدولة به كقائد سياسي للسلطة الجديدة التي تنوي إنشاءها .

 

– كل ذلك كان يجري والدكتور الدرديري وجماعته الحزبية وكتلة المركز التي يفترض انها الحاضنة الاجتماعية المستفيدة من مصالح السلطة التي يدافع عنها الجيش النظامي في شغل شاغل وغياب تام ليس عن المشهد الخارجي الذي كان حميدتي يتحرك فيه والذي هو مجال عمل السيد وزير الخارجية الأسبق الدكتور الدرديري وحسب وانما حتى داخليا في عمقه الاجتماعي ومرجعياته الاجتماعية الاثنية التي ظلت المليشيا تتحرك فيها بحرية تامة ترغيبا وترهيبا لقيادات الادارة الاهلية في جنوب وغرب كردفان التي وجدت نفسها اسيرة ليس للسيطرة العسكرية للمليشيا وحسب وانما الحصار الاجتماعي والسياسي من قواعدها ومجتمعاتها التي نظرت لما في أيديها من ولاء للسلطة المركزية وقارنته بما يمكن ان تجنيه من مغامرة ابنها محمد حمدان فرجحت لديها فرص واحتمالات حصاد مغامرة حميدتي على ما يبذله لهم الدرديري وبقية اخوانه من الوليدات المطاليق الذين يقولون لاهلهم استمروا بدعم وجودنا ضمن نخب المركز حتى نتمكن من إقناع اخواننا افندية النخب المركزية بأن يزيدوا لنا عطاياهم قليلا وحتى تكون لنا دالة عليهم إذا عادت سلطتهم !!

 

– كوزير سابق للخارجية يعلم د الدرديري ان بيان الرباعية بيان مؤسسي متسق مع منهج سياسي راسخ في التعامل مع السودان سابق لسقوط الانقاذ التي ذهبت إلى الجهات التي تمثلها الرباعية واعترفت بأن انقلابها في يونيو ١٩٨٩ واستيلائها على السلطة كان مغامرة متعدية لمجرد إزاحتها لإخوانها من الاحزاب والكيانات السياسية المشكلة لنخبة المركز السياسي والكتلة الاجتماعية الحاضنة للحكومة ، إلى المساس مباشرة بمجمل الترتيبات التي اسسها المستعمر لادارة المنطقة وبالتالي المساس بمصالح نخب وكتل اجتماعية تمثل وكلاء لهذا المستعمر في ادارة محطاته في بلادها وهو ما اشارت اليه الرباعية بوضوح لا يحتمل اي لبس بقولها ( إن مستقبل السودان لا يمكن أن تُمليه الجماعات المتطرفة العنيفة التي تنتمي أو ترتبط بشكل موثق بجماعة الإخوان المسلمين، التي أدى نفوذها المزعزع للاستقرار إلى تأجيج العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.) وبما ان كتلة الإنقاذ الحاكمة ومن بينها جماعة الدرديري وجماعات اخرى كانت قد اعترفت مسبقا بما ذهب اليه بيان الرباعية فان هذه الجملة مفتاحية وجامعة جدا وهي السبب الرئيسي وراء موقف د الدرديري والعديد من كيانات وواجهات الإسلاميين الرافضة للبيان لانها ببساطة تعني نهاية مشوار طويل مشاه هولاء ( الإسلاميين ) وسنوات من الجلوس في مقاعد الدرس ومدارج التتلمذ والطلب انتهت برسوب التلميذ وعدم تأهله لنيل عضوية النادي الذي تمثله الرباعية.

 

– ان بيان الرباعية لم ينص مطلقا على استهداف الدولة السودانية ومؤسساتها كما تزعم الحملة المعارضة له بل على العكس تماما فقد نص البيان بوضوح شديد على ( ودعا الوزراء إلى هدنة إنسانية، لثلاثة أشهر بصفة أولية، لتمكين الدخول السريع للمساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان، بما يؤدي بشكل فوري إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم يتم إطلاق عملية انتقالية شاملة تتسم بالشفافية وإبرامها في غضون تسعة أشهر لتلبية تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مستقلة بسلاسة بقيادة مدنية تتمتع بشرعية ومسؤولية واسعة النطاق، وهو أمر حيوي لاستقرار السودان على المدى الطويل والحفاظ على مؤسسات الدولة فيه. ) ولكنهم ختموا هذا القول بعزل الجامعات المتطرفة المرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين من المشاركة في تحقيق هذا الذي يدعون اليه، لذلك فالقول باستهداف موسسات الدولة قول غير صحيح فمؤسسات الدولة كانت موجودة قبل الإسلاميين و ( الجماعات العنيفة المرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين ) كما سماها البيان ، والجماعات والواجهات الإسلامية التي تصدر بيانات مناهضة لبيان الرباعية ويكتب قادتها مقالات كمقال د الدرديري هذا ، سبق لها ان وافقت على المنطق الذي انبنى عليه بيان الرباعية حينما كانت تتطلع إلى ترسيخ عضويتها نادي الرباعية وتحويل عضويتها فيه من عضوية تمهيدية مؤقتة إلى عضوية دايمة وقد انخرطت في الوفاء بشروط العضوية بهمة عالية جدا وقدمت في كثير من المواقف والأحيان اكثر مما طلب منها من رسوم مصاحبة لطلب العضوية، ولذلك عليها الان التحلي بالشجاعة وتسمية الأشياء باسمائها : بيان الرباعية هو رفض لطلب عضوية الجماعات العنيفة المرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين والتي – بحسب البيان – تسببت في زعزعة استقرار المنطقة !!! ولا علاقة له باستهداف موسسات الدولة السودانية .

 

– اصحاب بيان الرباعية يعلمون جيدا ان جماعات الاسلاميين السودانيين سينهضون لمعارضة بيانهم ولذلك تمهلوا في اصداره منذ يوليو الماضي للتأكد من اكتمال ترتيبات كان اهمها على الاطلاق استدعاء رييس مجلس السيادة الانتقالي إلى سويسرا في سرية تامة سبقت ترتيبات نقله من بورتسودان إلى الدوحة ومن هناك إلى سويسرا ثم تمويه اعقب اللقاء بوصفه لقاء بالمبعوث الأمريكي بولس الذي طار في اليوم التالي مباشرة من سويسرا إلى بنغازي للقاء الجنرال حفتر الذي يراس ادارة تماثل ادارة حميدتي فلماذا يذهب البرهان ( راس الدولة ورمز السيادة ) كما يحب الإسلاميين انفسهم تقديمه إلى سويسرا للقاء مبعوث أمريكي لا وزن له؟! الحقيقة ان لقاء سويسرا كان مفصليا في اكمال ترتيبات وضع موسسات الدولة السودانية امام خيار استعادة عضويتها لنادي الحكومات الاقليمية والدولية او التماهي مع ( الجماعات العنيفة المرتبطة بجماعة الاخوان ) ولهذا السبب لم يصدر عن مجلس السيادة بيان بشان بيان الرباعية وانما صدر عنه بيان تنفيذي يشرع في تنفيذ الاجراءات التي اقترحها بيان الرباعية ويدعوها إلى تسجيل وملاحظة مخالفات الدعم السريع في كوستي !! والحقيقة ان الجماعات والواجهات والكيانات التي تصدر بيانات الاعتراض على بيان الرباعية لا تصدر عن موقف اصولي هي فقط تمارس المساومة ويفتح الله ويستر الله .

 

– بيان الرباعية هو تتويج للحرب التي تحمست لها جماعات الرفض الحالية بغباء تحسد عليه فحققت اضعاف قبضتها على مفاصل السلطة وموقفها السياسي وأضرت كثيرا باجراءات طلبها عضوية نادي النخب المرضي عنها اقليميا ودوليا وهو استئناف لتفكيك تمكين الانقاذ، ولذلك فبيانات الرفض ومقالات د الدرديري والعديد من اخواننا الاسلاميين تصدر في فضاء من المبدئية اللازمة لهكذا موقف رافض وكما سبق في حملة التفكيك التي قادتها لجنة التمكين حينها بمجهودات وموارد واليات محلية ورغم ذلك اضطر هولاء الإسلاميين إلى الخضوع لها وسلموا بها تسليما محيرا وهي التي لا يسندها قانون ولا موسسات ولا مشروعية دستورية كما اتضح جليا لاحقا من قرارات القضاء التي ألغتها ، فان قطاعات واسعة من هولاء الاسلاميين خاصة موظفي السلطة سوف تتماهي مع بيان الرباعية وستكون حريصة على التبروء من (الجماعات العنيفة المرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين) لذلك فالنصيحة لدكتور الدرديري وإخوانه هي أن يتمهلوا في إعلان مواقف فارغة المحتوى مكشوفة الرصيد الاخلاقي والظهر والسند السياسي، لأن التراجع من هكذا إعلانات مكلف جدا!! وقبل الإعلان عن هكذا مواقف ينبغي على الإسلاميين بالذات أن يعدوا للخروج عدة بدلا عن (حشاش بي دقنو) !!

whatsapp