مرتزق كولومبي يستغيث من نيالا.. تحقيق خطير يكشف الخبايا
الوكالات- متابعات تاق برس- هذه تفاصيل تقرير منشور في موقع Middle East Eye بقلم الصحفي إنيغو ألكسندر ، والذي بداه بقوله من السودان إلى أوكرانيا، يواصل المرتزقة الكولومبيون القتال في حروب خارجية مدفوعة بالإغراءات المالية، في ظل ضعف المعاشات وفرص العمل في وطنهم.
ويكشف التقرير عن دورهم في السودان، حيث اتهمت السلطات السودانية الإمارات بتمويلهم ونشرهم إلى جانب قوات الدعم السريع (الجنجويد)، كما يسلط التقرير الضوء على الطرق الملتوية التي استُخدم فيها المرتزقة، وعلى التاريخ الطويل لانخراطهم في نزاعات دولية مثل هايتي وأوكرانيا واليمن.
ترجمة : يوسف كامل أمين
بوضح هذا التحقيق كيف تحولت خبرة كولومبيا العسكرية التي اكتسبها الجنود من حروب العصابات والمخدرات إلى مصدر دائم للمرتزقة في الأسواق العالمية، وكيف أصبحت الإمارات أحد أكبر المستهلكين لهذه الخدمات.
الجزء 1/4
من السودان إلى أوكرانيا: لماذا يواصل المرتزقة الكولومبيون القتال في الحروب الأجنبية
بالنسبة لقدامى المحاربين في كولومبيا، فإن راتب منطقة حرب يفوق بكثير المعاشات التقاعدية الضئيلة وفرص العمل المحدودة في الحياة المدنية داخل البلاد
بقلم إنيغو ألكسندر
يتجمع رتل صغير من المركبات العسكرية المتهالكة في سهول السودان القاحلة، حيث مزّقت البلاد حربٌ أهلية وحشية. وفي الخلفية، يُسمع صوت موسيقى الفاليناتو – وهي موسيقى فولكلورية كولومبية تقليدية – تنبعث من مذياع سيارة يملكها مرتزقة كولومبيون.
برز وجود المرتزقة الكولومبيين في السودان إلى الواجهة الأسبوع الماضي، بعد أن تقدّمت الخرطوم بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، اتهمت فيها الإمارات العربية المتحدة بتمويل ونشر مرتزقة كولومبيين للقتال في النزاع.
وقالت السلطات العسكرية السودانية في رسالتها إلى الأمم المتحدة إنها جمعت “أدلة واسعة النطاق” على “حملة منهجية من قبل الإمارات لتقويض السلم والأمن وسيادة السودان، من خلال تجنيد وتمويل ونشر مرتزقة يقاتلون إلى جانب مليشيا الدعم السريع (الجنجويد)”، وهي مجموعة شبه عسكرية تحارب الجيش السوداني. وقد نفت أبوظبي هذه الاتهامات.
وفي الشهر الماضي، أسقط سلاح الجو السوداني طائرة تابعة للإمارات كانت تقل 40 مرتزقًا كولومبيًا، إضافة إلى شحنة أسلحة ومعدات يُزعم أنها كانت متجهة لاستخدام قوات الدعم السريع (الجنجويد).
وقد أُسقطت الطائرة في 7 أغسطس أثناء اقترابها من مطار في إقليم دارفور يخضع لسيطرة الدعم السريع (الجنجويد).
وأفادت التقارير بمقتل المرتزقة الذين كانوا على متنها. الإمارات نفت أي صلة لها بالحادثة. أما وزارة الخارجية الكولومبية فلم ترد على طلبات التعليق.
تأكيد مشاركة المرتزقة الكولومبيين في النزاع جاء على لسان خبراء الأمم المتحدة في تقرير صدر في أبريل، لكن الأمر ليس جديدًا، إذ جرى تجنيد مئات من قدامى الجيش الكولومبي عبر شركات أمنية خاصة للقتال في الحرب الأهلية السودانية.
وقد غرق السودان في دوامة عنف منذ أبريل 2023، عندما تحولت التوترات التي كانت تتصاعد منذ فترة طويلة بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع (الجنجويد) إلى مواجهات مفتوحة انحدرت بالبلاد إلى حرب أهلية مدمرة.
وتُقدَّر حصيلة الضحايا في هذا النزاع بما يتراوح بين 20,000 و150,000 قتيل. كما أجبر الصراع أكثر من 14 مليون شخص على النزوح من منازلهم، ودفع أجزاءً من البلاد إلى حافة المجاعة.
وقد تميّزت الحرب المستمرة بفظائع واسعة النطاق، وعمليات قتل جماعي، وعنف جنسي، وانتهاكات أخرى تخضع حاليًا لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بوصفها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
الجزء 2/4
الطلب العالي على المرتزقة الكولومبيين:
تجعل الطبيعة الغامضة لقطاع المرتزقة من الصعب تحديد العدد الدقيق للمرتزقة الذين يُعتقد أنهم يقاتلون في السودان.
ووفقًا لتحقيق أجرته منصة La Silla Vacía الكولومبية، فقد تم نشر ما يصل إلى 380 مرتزقًا كولومبيًا في السودان للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع (الجنجويد) منذ عام 2024.
الغالبية العظمى يخدمون ضمن كتيبة تُعرف باسم ذئاب الصحراء، والتي تتكون من أربع سرايا منفصلة تضم حصريًا جنودًا كولومبيين متقاعدين.
وقال شون ماكفيت، أستاذ في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، لموقع ميدل إيست آي: “الكولومبيون ذو قيمة ممتازة، لديهم خبرة قتالية كبيرة، وهم مقاتلون جيدون للغاية. يطيعون سلسلة القيادة، يتمتعون بانضباط جيد، وتكلفتهم تعادل ربع تكلفة المرتزق الأمريكي”.
لقد أصبح المرتزقة الكولومبيون من أكثر السلع طلبًا في حروب العصابات الحديثة. فالصراع الداخلي الذي استمر لعقود في كولومبيا ضد المتمردين وعصابات المخدرات أفرز إمدادًا مستمرًا من الجنود المخضرمين الجاهزين ميدانيًا.
أما بالنسبة لكولومبيا، فالقضية داخلية. إذ يلجأ العديد من الجنود السابقين إلى العمل كمرتزقة كوسيلة للبقاء على قيد الحياة. فالمعاشات العسكرية في البلاد متواضعة – حيث يتقاضى كثير من المحاربين القدامى ما بين 400 إلى 600 دولار شهريًا.
في المقابل، يمكن أن يوفر عمل المرتزقة – والذي يُسوَّق غالبًا عبر مجموعات على تطبيق واتساب بين قدامى المحاربين – رواتب تتراوح بين 2,600 و6,000 دولار شهريًا.
ومع قلة فرص العمل المدنية وصعوبة الاندماج مجددًا في وتيرة الحياة المدنية، يصعب على الكثير من الجنود السابقين مقاومة إغراء راتب أجنبي، حتى لو كان في ساحة حرب.
وقال خوسيه أنخيل إسبينوزا، وهو رقيب سابق في الجيش الكولومبي يدير حاليًا جمعية للمحاربين القدامى، لموقع ميدل إيست آي: “يُنظر إلى عالم المرتزقة داخليًا كفرصة. فعندما لا تخلق الحكومة فرصًا لأفراد القوات المسلحة السابقين، فإنهم يضطرون لإيجاد وسيلة لتلبية احتياجاتهم، فيرون ذلك كبديل”.
وأضاف إسبينوزا: “لقد درّبونا بشكل حصري لغرض [القتال] ولم يوفّروا لنا أي عملية لإعادة الاندماج في المجتمع. نخرج من الخدمة بعقلية الحرب، وهذا هو الشيء الوحيد الذي تدرّبنا عليه”.
وعلاوة على ذلك، فقد تقاعد أكثر من 22,000 من عناصر قوات الأمن الوطنية الكولومبية طوعًا منذ أن تولى الرئيس غوستافو بيترو منصبه عام 2022، مما وفّر تدفقًا ثابتًا من المقاتلين المحتملين للمجنّدين وتجار الحروب.
وقالت كاثرين غاليندو، المحللة السياسية الكولومبية: “خلال السنوات الماضية، حدثت حالة من الإحباط داخل قوات الأمن بسبب الصدامات بين الحكومة والسلطة التنفيذية والقوات المسلحة. ومن أولى خطوات بيترو عند توليه منصبه استبدال القيادة العسكرية بأكملها، وهو ما أثار بوضوح حالة من السخط داخل صفوف القوات الأمنية”.
الجزء 3/4
التجنيد المضلل
تم تجنيد أولئك الذين انضموا إلى كتيبة ذئاب الصحراء عبر شركة أمنية خاصة كولومبية متعاقدة مع شركة إماراتية تُدعى مجموعة خدمات الأمن العالمية (Global Security Services Group).
وكانت عمليات الكتيبة تُدار بقيادة جنرال متقاعد من الجيش الكولومبي مقيم في دبي.
وقد جرى تضليل العديد من المجندين بشأن طبيعة عملهم؛ فبينما تم التعاقد معهم في البداية لحراسة منشآت نفطية إماراتية أو لتدريب قوات – وفقًا لما قيل لهم – وجدوا أنفسهم في النهاية مخدوعين ومُجبرين على القتال في الخطوط الأمامية للحرب الأهلية السودانية.
ووفقًا لمنصة La Silla Vacía، فإن المرتزقة الكولومبيين المتجهين إلى السودان كانوا عادةً يسلكون طريقًا يبدأ من أبوظبي، حيث يسافرون إلى بنغازي في شمال ليبيا. وهناك كان ضباط ليبيون يصادرون جوازات سفرهم ويمنعون عودتهم حتى يكملوا رحلتهم للانضمام إلى الدعم السريع (الجنجويد) في السودان.
ومع انتشار معرفة هذا المسار – وكثرة الكمائن أو الاشتباكات – بدأ بعضهم في سلوك طريق بديل: الانطلاق من مدريد إلى إثيوبيا، ثم التوجه إلى مدينة بوساسو الساحلية في الصومال، قبل الطيران إلى نجامينا عاصمة تشاد، ومن هناك إلى نيالا، المدينة الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع (الجنجويد) في دارفور.
وقال جندي كولومبي في تسجيل صوتي من السودان، بحسب La Silla Vacía: “الأوضاع هنا قبيحة، نحن محتجزون كأسرى”.
وقال آخر: “هذا اتجار بالبشر. يوظفوننا من أجل مهمة معينة، ثم يأخذوننا إلى مكان آخر لنجبر على القيام بشيء مختلف”.
الجزء 4/4
تاريخ من الانخراط
إن مشاركة المرتزقة الكولومبيين في النزاعات الدولية ليست أمرًا جديدًا. فقد شارك نحو 20 كولومبيًا بشكل بارز في اغتيال الرئيس الهايتي جوفينيل مويس عام 2021. كما يقاتل حاليًا مئات الكولومبيين في أوكرانيا، فيما خدم آخرون في الحرب الأهلية الليبية عام 2011، وأيضًا في أفغانستان والعراق.
وليس هذا أول ارتباط إماراتي بالمرتزقة الكولومبيين. ففي عام 2015، تعاقدت الإمارات مع المئات منهم للقتال ضد جماعة الحوثي في اليمن.
وأوضح ماكفيت: “الإمارات مستهلك ضخم لخدمات المرتزقة. لديهم جيوب عميقة، ولديهم مصالح جيوسياسية يسعون من خلالها إلى أن يصبحوا قوة مهيمنة إقليمية في الشرق الأوسط وأجزاء من شمال إفريقيا”.
وأضاف: “المرتزقة وسيلة رخيصة لتحقيق تلك المصالح. هناك طلب من قوات لدعم السريع (الجنجويد)، وهناك المال من الإمارات، وهناك الإمداد من كولومبيا”.
إن وجود المرتزقة يقوّض الجهود الرامية إلى التوصل إلى سلام. فاستعمالهم يسمح للجهات الفاعلة، مثل الإمارات، بالتمسك بإنكار معقول بينما تواصل تغذية النزاع بشكل غير مباشر. كما أن الأمر يجعل مسألة المحاسبة على جرائم الحرب أكثر تعقيدًا، إذ غالبًا ما يعمل المرتزقة خارج نطاق الولاية القضائية الوطنية أو الدولية.
وقد تعهّد الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بتقديم مشروع قانون يحظر تجنيد المرتزقة الكولومبيين وانخراطهم في النزاعات الخارجية، وأطلق تحقيقًا في القضية بعد إسقاط الطائرة الإماراتية الشهر الماضي.
وأدان بيترو مشاركة المرتزقة الكولومبيين في الخارج، واصفًا هذه الممارسة بأنها: ” تجارة في البشر تحوّلهم إلى سلع معدّة للقتل”.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تنجح مثل هذه الجهود – سواء من كولومبيا أو من دول أخرى أو من المؤسسات الدولية – في معالجة هذه الصناعة بشكل فعّال.
وقالت غاليندو: “هذا القانون لا يحل الأسباب الجذرية التي تجعل الجنود السابقين يقبلون هذه العروض، وهي أسباب مرتبطة بقضايا هيكلية تتعلق بالتعويضات وكذلك بالوضع النفسي والأخلاقي لجنودنا السابقين، وهو ما لا يتطرق إليه هذا الإطار”.
وأضاف ماكفيت: “من الصعب جدًا على الحكومات تتبع مثل هذه الأمور، والأمم المتحدة بصراحة مثار سخرية عندما يتعلق الأمر بالمرتزقة. فهذه صناعة من الصعب للغاية تنظيمها”.
المصدر: موقع قلب إفريقيا
