مصر وإثيوبيا والنيل: جدل فيضانات السودان بين الاتهام والإنكار
“نهر النيل ليس نهرًا محليًا يخضع لإرادة دولة واحدة، بل نهر دولي تحكمه اتفاقيات وقوانين ملزمة”.. والإدارة غير المنظمة لمياه النيل قد تحول السد من أداة تنمية إلى مصدر توتر إقليمي”..
تاق برس- تقرير خاص
المحتويات
مصر تتهم إثيوبيا بتفاقم فيضانات السودان
اتهمت مصر الحكومة الإثيوبية بالتسبب في الفيضانات الكارثية التي اجتاحت مناطق واسعة في السودان، محملةً أديس أبابا مسؤولية غياب التنسيق حول تشغيل سد النهضة، الأمر الذي اعتبرته القاهرة عاملاً رئيسيًا في تفاقم الأزمة.
وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، على هامش قمة ميونيخ في مدينة العلا بالمملكة العربية السعودية، إن “عدم التنسيق بشأن سد النهضة أدى إلى فيضانات مروعة في السودان”.
وأضاف أن إثيوبيا تتصرف بشكل أحادي رغم التحذيرات المتكررة من دولتي المصب، مصر والسودان.
موقف إثيوبيا
في المقابل، نفت إثيوبيا هذه الاتهامات، بل أكدت أن سد النهضة ساهم في تخفيف حدة الفيضانات.
وقال وزير المياه والطاقة الإثيوبي، هبتامو إيتيفا، إن الأمطار الغزيرة كانت استثنائية، وأن إدارة السد اتخذت إجراءات احترازية لضبط تدفق المياه، بما في ذلك إغلاق البوابات.
وأضاف أن السد يلعب دورًا حيويًا في الحد من الكوارث الطبيعية من خلال تنظيم المياه وتقليل آثار الفيضانات، في محاولة لعكس الصورة التي قدمتها مصر.
ارتفاع النيل الأبيض وتأثير الفيضانات
ويأتي التحذير المصري في وقت يشهد فيه النيل الأبيض ارتفاعًا غير مسبوق في منسوبه هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة.
ويربط خبراء مياه ذلك بامتلاء سد النهضة الإثيوبي، الذي تجاوز سعته التخزينية خلال موسم الفيضان، دون أي تنسيق مسبق مع دولتي المصب.
ويقول مسؤول سوداني في وزارة الموارد المائية إن الفيضانات تسببت في أضرار كبيرة بالزراعة والممتلكات.
وأشار إلى أن بعض القرى والمدن الواقعة على ضفاف النيل تعرضت لغمر جزئي، مع نزوح مئات الأسر إلى مناطق أعلى.
خلفية النزاع حول سد النهضة
ويعد سد النهضة، الذي بدأ بناءه قبل أكثر من عقد، أكبر مشروع هيدروليكي في إفريقيا، يهدف لتوليد الكهرباء لسد الفجوة الطاقية في إثيوبيا وتحفيز التنمية الاقتصادية. لكنه أصبح محور خلاف مستمر بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا بشأن حصة المياه وإدارة الفيضان.
رغم وساطات أفريقية ودولية، لم تنجح جولات التفاوض المتعددة في التوصل إلى اتفاق ملزم حول ملء وتشغيل السد، ما يزيد من المخاوف بشأن الأزمات المائية المستقبلية في دول المصب.
جفاف محتمل
وحذر وزير الخارجية المصري من احتمال وقوع كارثة أكبر إذا تعرضت المنطقة لجفاف ممتد قد يستمر لخمس سنوات، وهو سيناريو نادر يحدث مرة كل خمسين عامًا، وقد يكون له آثار مدمرة على مصر والسودان على حد سواء.
وأشار إلى أن “نهر النيل ليس نهرًا محليًا يخضع لإرادة دولة واحدة، بل نهر دولي تحكمه اتفاقيات وقوانين ملزمة”.
وطالب الوزير بإيجاد آلية واضحة وملزمة لإدارة المياه في الحوض.
الموقف الدولي والإقليمي
تؤكد أديس أبابا أن الهدف من السد هو توليد الكهرباء وتحقيق التنمية، بينما تتهمها القاهرة بانتهاج سياسة “فرض الأمر الواقع”.
ويرى محللون أن الإدارة غير المنظمة لمياه النيل قد تحول السد من أداة تنمية إلى مصدر توتر إقليمي، خصوصًا في ظل التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة التي تزيد من معدلات التبخر، ما قد يؤدي إلى تقلبات أكثر حدة في مستويات المياه بين الدول الثلاث.
تأثيرات طويلة المدى على السكان والبيئة
ويحذر خبراء بيئيون من أن استمرار هذه الأزمة قد يعرض ملايين الأشخاص في السودان ومصر لمخاطر متعددة تشمل فقدان المحاصيل الزراعية، تراجع الأمن الغذائي، وزيادة النزوح الداخلي.
ويؤكد الخبراء أن التعامل المنسق بين الدول الثلاث وإدارة السد وفق اتفاقيات ملزمة قد يخفف من هذه المخاطر ويحول المشروع إلى أداة للتنمية المشتركة بدلا من أن يكون مصدر تهديد إقليمي.